أشارت صحيفة "الفاينانشال تايمز" البريطانيّة، في مقال رأي بعنوان "ما الّذي يجب على ​جو بايدن​ تعلّمه بعد 10 سنوات على ثورات ​الربيع العربي​"، إلى أنّ "قبل عشر سنوات، أضرم البوعزيزي، بائع متجوّل تونسي شاب، النار في نفسه غاضبًا من المضايقات المهينة من قبل الشرطة الفاسدة. وما هي إلّا أسابيع، حتّى أُسقط نظام الاستبداد الطويل لزين العابدين بن علي، ممّا أدّى إلى سلسلة من ردود الفعل من الانتفاضات في أنحاء ​الشرق الأوسط​ و​شمال إفريقيا​".

وذكرت أنّه "أُطيح بالرئيس المصري الراحل ​حسني مبارك​ في مصر، والرئيس الليبي الراحل ​معمر القذافي​ في ​ليبيا​، والرئيس اليمين السابق ​علي عبد الله صالح​ في ​اليمن​، الّذين كانوا مدعومين من الجيش في السلطة لمدّة 20 إلى 40 عامًا. بينما قُمعت الاحتجاجات في ​البحرين​ بتدخّل من قيادة ​السعودية​. وفي ​سوريا​، شنّ نظام الرئيس السوري ​بشار الأسد​ حربًا شاملةً ضدّ شعبه، ولايزال الصراع مستمرًّا". وركّزت على أنّ "وحدها تونس حافظت على بعض الآمال المتصاعدة لما يُسمّى بـ"الربيع العربي"، لكن هذه البلدان لا تزال تنفجر بتوق لحياة كريمة وسبل عيش أفضل. ولا تزال الانتفاضات تتكرّر من ​الجزائر​ إلى ​السودان​، أو من ​العراق​ إلى ​لبنان​".

ولفتت الصحيفة بحسب المقال، إلى أنّه"قد تم تقويض فرص نجاح الثورات الديمقراطيّة العربيّة قبل وقت طويل من اندلاعها - بسبب الغزو الّذي قادته ​الولايات المتحدة الأميركية​ للعراق في عام 2003. هذه الحرب الخاطئة، أزالت استبداد ​صدام حسين​ وسعت إلى إعادة تشكيل ​العالم العربي​ على أُسس ديمقراطيّة". وشدّدت على أنّها "بدلًا من ذلك، أعادت إشعال الصراع الّذي دام قرونًا بين السنّة والشيعة وعزّزت الجهاد الّذي قاده زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن. كما ألقت الهويّة الطائفيّة -الّتي أدّت إلى ظهور خلافة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية عبر الحدود في العراق وسوريا- بظلالها القاتمة منذ ذلك الحين، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن من ​أوروبا​ إلى آسيا".

وأوضحت أنّ "ذلك أدّى إلى تعزيز النظام شبه العسكري (المليشيات)، حيث استخدمت ​إيران​ -المستفيد الرئيسي من حرب العراق- الميليشيات الشيعيّة لاختراق ممرّ عبر العراق وسوريا ولبنان إلى البحر الأبيض المتوسط، وصولًا إلى الخليج في اليمن. وقد أشعل ذلك بدوره حروبًا إقليميّةً بالوكالة، تزعّمت فيها السعودية السنّة وإيران الشيعة. فعزّزت ممالك الخليج أنظمتها، وخفّفت القيود الاجتماعيّة، ولم تتحمّل أي انشقاق سياسي".

وأفادت بأنّ "السعودية و​الإمارات​ ساعدتا أيضًا في استعادة دولة قويّة في مصر، من خلال الانقلاب الّذي أوصل قائد الجيش السابق ​عبد الفتاح السيسي​ إلى السلطة في عام 2013 بعد فترة ما بعد مبارك"، مؤكّدةً أنّ "تلك الفترة القصيرة، بعد انتفاضة ميدان التحرير، كشفت عن درس آخر وهو الإسلام السياسي، الّذي يجسّده ​الإخوان المسلمون​. فقد اختار المصريّون بصعوبة ​محمد مرسي​ كأوّل رئيس منتخَب ديمقراطيًّا لبلادهم، وأخرج الإخوان من سراديب الموت السياسيّة. وبدلًا من أن يحكموا للجميع، اختاروا استعمار مؤسسات مصر، وعزلوا الجميع باستثناء مؤسّساتهم".

كما رأت الصحيفة أنّ "عدم قدرة التيار الإسلامي السائد على إيجاد مكان بين التيارات الديمقراطيّة، يُعتبر كارثة. فقد عقدت الآمال في أن يكون "​حزب العدالة والتنمية​" التركي الّذي يتزعّمه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان نظيرًا مسلمًا للديمقراطيّين المسيحيّين في أوروبا، لكن بدلًا من ذلك أصبح الحزب نواةً لعثمانيّين جدد. وشكّلت كلّ هذه الإخفاقات، بحسب المقال، دفعةً للجهاديّين الّذين يقولون إنّ الديمقراطيّة ليست طريقًا مسدودًا فحسب، بل شرير".

واستثنت من ذلك تونس، "الّتي قامت ببناء مؤسّسات بما في ذلك النقابات العماليّة، وعزّزت الإصلاحات الّتي وفّرت تعليمًا جيّدًا ومساواة أكبر للمرأة، وخفّفت من الحياة العامة للدين. لكن ذلك استغرق من تونس أكثر من قرن ونصف القرن، فبناء المؤسّسات أمر بالغ الأهميّة". وبيّنت أنّ "مع ذلك، ينجذب الغرب بخبث إلى المستبدّين. وغالبًا ما يبدو أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها يفضّلون التعامل مع الحكّام والأنظمة، مع التركيز على الأسلحة و​النفط​". وأشارت إلى أنّ "إدارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ كانت خير مثال على ذلك. لكن الرئيس المنتخَب جو بايدن يقول إنّ هذا سيتغيّر. سوف نرى".