لم تُظهر ​الإدارة الأميركية​ ​الجديدة​ أيّ إهتمام فعلي بما يجري في ​لبنان​. يُمكن الجزم هنا أن ما جاء في البيان المشترك لوزيري خارجية فرنسا و​الولايات المتحدة​ بشأنه هو بسبب الرعاية الباريسية لبيروت في ظل وجود مبادرة فرنسية لا تزال حيّة رغم عدم قطف ثمارها. وعند سؤال الأميركيين: ما هو موقفكم مما يجري؟ يأتي الجواب فضفاضاً يكرّر جُمل إنشائية إزاء المسؤولية في حل الأزمة ومحاسبة الفاسدين وإستكمال التحقيقات في حادثة إنفجار ​مرفأ بيروت​. لذا، يُمكن الإستنتاج بأنّ ​البيت الأبيض​ لا يضع لبنان في أولوياته، لكنه يدعم التوجهات الفرنسية في محاولة فرض حلّ للأزمة السياسية اللبنانية.

فلماذا لا تُثمر المبادرة الفرنسية حكومياً في بيروت؟.

تتحدث المعلومات عن أنّ المحاولات الفرنسية وصلت إلى حائط لبناني مسدود نتيجة الشروط المتبادلة على خط بعبدا-بيت الوسط، رغم الإتصالات والجهود التي بذلها الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ شخصياً مع الأفرقاء اللبنانيين المعنيين والفاعلين. لذا، لن يكرر الفرنسيون ما فعلوا، وهم ينتظرون ضغوطاً إقليمية ودولية على القوى اللبنانية لفرض تنازلات في اكثر من إتجاه.

إستطاعت باريس أن تستحصل ضمنياً في بيان وزيري الخارجية المشترك على دعم واشنطن لموقفها، بما يشبه التفويض الأميركي لدور فرنسا في لبنان. لكنّ تلك الخطوة لا تكفي، مما يعني ان المحاولات الفرنسية لا تقف عند هذه الحدود: ماذا عن العواصم الإقليمية التي تملك تأثيرات اكبر في لبنان؟ يستحضر المعنيون وقائع ​مؤتمر الدوحة​ الذي إستحصل يومها على مؤازرة إقليمية لفرض التسوية السياسية التي أنتجت آنذاك حلاً وإنتخابات رئاسية في لبنان.

لا يوجد تواصل بين دول الإقليم بشأن الأزمة اللبنانية. لكن محاولات مصرية-إماراتية إيجابية تسعى لإحتضان المبادرة الفرنسية بالتزامن مع زيارات يقوم بها رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري إلى دولة ​الإمارات العربية المتحدة​ و​جمهورية مصر​ التي التقى فيها رئيس البلاد ​عبدالفتاح السيسي​، قبل إنتقال "الشيخ سعد" المرتقب إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

تتحدث المعلومات عن أنّ كلاً من القاهرة وأبوظبي تتفقان على لعب دور دسم مشروط في لبنان، لحل الأزمة، لكن الرياض لا تزال ترفض أيّ تدخل او دعم أي خطوة حكومية في بيروت، بسبب الوقائع السياسية القائمة، وهي تقصد دور "حزب الله". ليست مصادفة أن تُظهر كلٌ من الإمارات ومصر ذات الإندفاعة العربية التي تُبديها ضمناً نحو سوريا: الشروط هي ذاتها بشأن الحزب المذكور.

وبإنتظار زيارة الحريري للعاصمة الفرنسية، لا يبدو ان باريس ستقدم على خطوة لبنانية لا تُراعي فيها موقف مصر و​دول الخليج​، لإعتبارات عدة أهمها:

أولاً يسعى ماكرون إلى تنفيذ صفقة بيع غواصات فرنسية لدول الخليج، تحديداً السعودية، بعد تراجع استراليا عن عقد شراء ١٢ غواصة فرنسية بقيمة ٣٦ مليار دولار، مما يشكّل نكسة للواردات الماليّة الفرنسية في زمن الأزمات الإقتصادية بحال عدم تأمين سوق بديل.

ثانياً، يهم فرنسا إبقاء العلاقات متينة مع القاهرة وعواصم الخليج في مواجهة المخاطر التركية القائمة ضد المصالح السياسية والإقتصادية الفرنسية في شرق المتوسط.

لذا، فإنّ المبادرة الفرنسية لن تُثمر من دون موافقة تلك ​الدول العربية​ المُشار إليها، وهو ما دفع الحريري إلى تكثيف اتصالاته وزياراته الخارجية، تحديداً مصر، لإزالة الجمود وفكفكة العُقد الخارجية.

حتى الآن تتمسّك تلك العواصم بشروط رفعها الحريري عناوين لحكومته: لا قبول بالثلث المعطّل لفريق ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​، ولا وجود لوزراء حزبيين داخل الحكومة (منع تمثيل حزب الله بشكل مباشر في ​مجلس الوزراء​)، إضافة الى الحصول على موافقة باريس على أسماء وزراء حقائب سيادية او أساسية كالمال والطاقة والإتصالات وربما الداخلية.

توحي كل المعطيات أن الحراك السياسي الخارجي قائم، فهل ينتظر الفرنسيون نتائج زيارة رئيسهم الى الرياض خلال الشهر الجاري لتحديد مسار المبادرة الفرنسية بشأن لبنان؟ أم ان الإمارات ومصر قادرتان على دفع مبادرة باريس إلى مساحة الترجمة؟ يجوز السيناريوهان بغياب الجواب الواضح. لكن ذلك لا يكفي وحده لفرض إتفاق في لبنان: من يستطيع إقناع رئيس الجمهورية بالتنازل عن شروطه؟ لا يريد "حزب الله" أن يقوم بهذه المهمة. هو كان ابدى استعداده للمضي بمسعى مصالحة بين عون والحريري فقط لا غير. بينما يحسم الإيرانيون موقفهم، قبل ان يراجعهم احد، بأن القرار في لبنان يعود للحزب المذكور وليس لهم.

بالمحصلة يمكن الإستنتاج أن الحراك على خط باريس-ابوظبي-القاهرة لا يعني إمكانية تنازل رئيس الجمهورية عن أي شرط أو عنوان، وفي حال نجحت المساعي تجاه الرياض، ايضا قد لا تُحقق العنوان المذكور، الاّ بالطلب من الحريري مسايرة فريق رئيس الجمهورية، وهو أمر غير وارد على الإطلاق، لأن تلك العواصم لا تزال تطالب الحريري بالحفاظ على سقفه الحكومي. فمن يقنع عون بالتنازل؟.

لا يوجد جواب واضح. لا بدّ من المزيد من الانتظار لأن التأليف لم ينضج بعد.