في 6 شباط من العام 2006، تمّ توقيع "مذكّرة التفاهم" بين "التيّار الوطني الحُر" مُمثّلا برئيسه آنذاك العماد ​ميشال عون​، و"​حزب الله​" مُمثّلاً بأمينه العام السيّد ​حسن نصر الله​، لتنقلب كلّ موازين القوى الداخليّة مُجدّدًا في لبنان، والتي كانت قد شهدت زلزالاً كبيرًا بفعل تطوّرات العام 2005. وأمّن "التيّار" غطاء سياسيًا وشعبيًا وطائفيًا، كان "الحزب" بأمسّ الحاجة إليه للتخلّص من مُحاولات عزله ومُحاصرته محليًا وإقليميًا ودَوليًا، بينما وقف "الحزب" إلى جانب "التيّار" في كثير من معاركه السياسيّة، وُصولاً إلى محطّة الإنتخابات الرئاسيّة الأخيرة، الأمر الذي عزّز نُفوذ "التيّار" داخل السُلطة في لبنان بشكل كبير. واليوم، وبعد مرور 15 عامًا على التفاهم، كثرت إنتقادات "التيّار" للثغرات المَوجودة في "التفاهم"، لا سيّما لجهة عدم النجاح في "مشروع بناء الدولة وسيادة القانون"(1)، الأمر الذي إستدعى تشكيل لجان حزبيّة من الطرفين، للعمل على تطوير "التفاهم". فهل ستعود الحرارة إلى هذا "التفاهم"، أم أنّه سيتّجه في المُستقبل إلى مزيد من التعثّر؟.

لا شكّ أنّ "التيّار" الذي جرى تحميله، من قبل خُصومه، وحتى من قبل بعض الحُلفاء المُفترضين، مسؤوليّة الإنهيار الذي حصل في لبنان خلال عهد الرئيس العماد ميشال عون، يلوم "الحزب" لعدم وُقوفه إلى جانبه في "معركة بناء الدولة"، حيث قدّم "حزب الله" الإعتبارات والتحالفات والتموضعات السياسيّة، وحتى الحصانات المذهبيّة، على العمل الإصلاحي الذي كان مُنتظرًا، ما أسفر عن فشل كل مُحاولات "التيّار" في هذا الإتجاه! ومن المُفترض أن تُركّز اللجان الحزبيّة في "التيّار" و"الحزب" خلال عملها المُرتقب، على سُبل تمكين الدولة من مُحاسبة الفاسدين، بغضّ النظر عن إنتماءاتهم، لكنّ الوُصول إلى صيغة لغويّة شيء، وتطبيق هذا البند شيء آخر!.

إشارة إلى أنّ إضاءة "التيّار" على هذا البند بالتحديد، لا يعني أنّ باقي البُنود قد جرى تطبيقها، حيث أنّ الكثير من بُنود ورقة تفاهم "6 شباط" بقيت حبرًا على ورق، ومنها العديد من النقاط والتفاصيل التي وردت تحت العناوين رقم أربعة "بناء الدولة"، ورقم خمسة "المفقودون خلال الحرب"، ورقم ستة "اللبنانيون في ​إسرائيل​"، ورقم ثمانية "العلاقات اللبنانيّة السُوريّة"، ورقم تسعة "العلاقات اللبنانيّة الفلسطينيّة"(2). والأمثلة كثيرة جدًا على ما لم يتحقّق من بنود، ومنها على سبيل لا الحصر: عدم حلّ ملفّ المفقودين اللبنانيّين خلال الحرب، وعدم عودة اللبنانيّين الموجودين لدى إسرائيل، وعدم ​ترسيم الحدود​ بين لبنان وسوريا، وعدم كشف مصير المُعتقلين اللبنانيّين في السُجون السُوريّة، وعدم مُعالجة ملفّ ​السلاح الفلسطيني​ داخل المُخيّمات وحتى خارجها في بعض الأماكن، إلخ.

ومن الواضح بالتالي أنّ "ورقة التفاهم" بحاجة إلى التطوير والتحديث، وإلى إعادة تصويب جدواها، لأنّ بند "الحزب" الرئيس فيها، والمُتمثّل في حماية "سلاحه" عبر الغطاء السياسي والمَعنوي، نُفّذ من جانب "التيّار"، بينما عشرات البنود التي حرص "التيّار" على تضمينها في "ورقة التفاهم"، بقيت من دون تطبيق، حتى تلك غير السياسيّة منها، أي المُرتبطة بالإصلاح و​مكافحة الفساد​ وبناء الدولة!.

وفي مُقابل توقّع بعض المُتفائلين أن ينجح "التيّار" و"الحزب" فينهاية المطاف،بإعادة الروح إلى "ورقة التفاهم" عبر تعديلها وتطويرها، من خلال اللجان التي جرى تشكيلها لهذه الغاية، تُوجد توقّعات لكثير من المُتشائمين بأنّ تشهد العلاقة بين "التيّار" و"الحزب" إختبارين صعبين جدًا في المُستقبل، قد تُهدّدان أسس التفاهم بينهما من أساسه. وهاتين المحطتين هما:

أوّلاً: الإنتخابات النيابيّة، حيث يضغط "الثنائي الشيعي" لتعديل القانون الإنتخابي، لصالح دوائر كبرى ولصالح صيغ تُقدّم تحت عنوان "محاربة الطائفيّة والمذهبيّة"، تجعل مُجدّدًا صوت الناخب المسيحي هامشيًا في أغلبيّة الدوائر، وذلك بهدف إعادة الإمساك بالنوّاب المسيحيّين من قبل قوى وأحزاب وشخصيّات لا تُمثّل الشارع المسيحي الفعلي. في المُقابل، يرفض "التيّار"–ومعه للمُفارقةحزب "القوات اللبنانيّة"، أيّ عودة إلى الوراء في حق الناخب المسيحي بإيصال أكبر قدر من مُمثّليه إلى الندوة البرلمانيّة بأصواته.

ثانيًا: الإنتخابات الرئاسيّة، حيث يُعوّل "التيّار الوطني الحُرّ" على أن يقف "حزب الله" إلى جانبه في معركة الرئاسة المُقبلة، كما وقف إلى جانب العماد ميشال عون عشيّة إنتخابه، لكنّ شبكة مُعارضي وُصول رئيس "التيّار" النائب ​جبران باسيل​ إلى الرئاسة، لم تعد مَحصورة بأحزاب "القوّات" و"المُستقبل" و"الإشتراكي"، إلخ. بل تتعدّاها إلى أحزاب في صلب "محور المُمانعة" بقيادة "حزب الله"، مثل "المردة" و"أمل" وغيرهما.

وبالتالي، إنّ هاتين المحطّتين قد تُشكّلان النقطة التي ستُفجّر في المُستقبل العلاقة المُهتزّة بين "التيّار" و"الحزب"، في حال لم تتوافق آراء "التيار" و"الحزب" إزاء سُبل مُقاربتهما، حتى لو نجحت اللجان المُشتركة في تدوير زوايا "ورقة التفاهم" مرحليًا!

(1) جاء في بيان صادر عن المجلس السياسي في "التيّار" أنّ التفاهم "(...) لم ينجحفي مشروع بناء الدولة وسيادة القانون، لذا يعتبر المجلس أنّ تطوير هذا التفاهم بإتجاه فتح آفاق وآمال اللبنانيّين هو شرط لبقاء جدواه إذ تنتفي الحاجة إليه، إذا لم ينجح المُلتزمون به في معركة بناء الدولة(...)".

(2) منها مثلاً: "معالجة الفساد من جذوره"، "العمل على إصلاح إداري شامل..."، "... ملف المفقودين في الحرب يحتاج إلى وقفة مسؤولة تنهي هذا الوضع الشاذ..."، "... حلّ مُشكلة اللبنانيّين المَوجودين لدى إسرائيل تتطلّب عملاً حثيثًا من أجل عودتهم إلى وطنهم..."، "ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا"، و"مطالبة الدولة السُوريّة بالتعاون الكامل مع الدولة اللبنانيّة من أجل كشف مصير المُعتقلين اللبنانيّين في السجون السوريّة..."، و"معالجة ملفّ إنهاء السلاح خارج المُخيّمات وترتيب الوضع الأمني داخلها...".