عندما بدأ حراك ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ في ​لبنان​، إنطلق الإحتجاج أساساً على تصرفات وزير غير سياسي. لم يكن وزير الاتصالات ​محمد شقير​ حزبيّاً ولا سياسياً بل هو إقتصادي يصنّف عملياً في خانة التكنوقراط. مما يثبّت الكلام عن أنّ التكنوقراط ليس قاعدة حكومية لفرض حل للأزمة اللبنانية: هل استطاعت ​الحكومة​ الحالية غير المسيّسة إيجاد أمان سياسي أو إجتماعي أو إقتصادي؟ لم تنجح في أيّ مجال. ولعلّ الحاجة الشعبية لتأليف حكومة جديدة تأتي في سياق عدم الرضى اللبناني الشامل عن تركيبة وأداء الحكومة الحالية التي تسابق وزراؤها على الإستقالة قبل أن تُصبح لتصريف أعمال.

لماذا إذا التمسّك بحكومة اختصاصيين؟.

ينطلق رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ من فرضية نبيلة الهدف: طمأنة ​المجتمع الدولي​ للحصول على مساعدات وأموال للبلد، بعدما عبّرت العواصم الخارجية عن فقدانها الثقة بالسلطة السياسية في لبنان بسبب الفساد. بينما يرى فريق رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ أنّ الحريري هو سياسي وليس تكنوقراط. بجميع الأحوال، هناك مطبّات تزداد وترتفع بين فريقي ​بعبدا​ و​بيت الوسط​، بشكل يوحي بأن المخرج لن يكون بأقل من مستوى إعادة النظر بجوهر سيناريو التأليف الحكومي المُفترض على أساس وزراء اختصاصيين.

عندما أراد أحد السياسيين الظرفاء أن يعلّق على طرح حكومة الاختصاصيين لخّص التوصيف بجملة: إنّ طرح التكنوقراط بقي في حقيبة رئيس الحكومة المكلّف سابقاً ​مصطفى أديب​، الذي عاد إلى عمله سفيراً للبنان في ​ألمانيا​. فلو كانت فكرة الإختصاصيين قابلة للترجمة في البلد، لكان نجح أديب في مهمته، أو جرى تكليف ​سمير الخطيب​ الذي طُرح إسمه قبله. ومن هنا يتصدّر مشروع نسف سيناريو حكومة التكنوقراط لصالح مشروع حكومة تكنو-سياسية كان طرحها رئيس الحكومة الأسبق ​نجيب ميقاتي​.

يعزز هذا الطرح وصول الوضع اللبناني الى حائط مسدود. فلا يوجد أية مؤشرات توحي بقبول فريقي عون والحريري التراجع عن مواقفهما وشروطهما لصالح الآخر. أكد اللقاء الأخير في بعبدا تلك الوقائع، ثم جاء كلام رئيس الحكومة المكلف وبعده رد ​القصر الجمهوري​ عليه في السياق نفسه.

واذا كان لبنانيون يترقبون إمكانية الحل، فهم ينتظرون زيارة الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ الى ​السعودية​ للحصول على دعم المملكة، وبالتالي تراجع الحريري عن شروطه التي يضعها ومنها عدد الوزراء ١٨، وعدم التدخل في تسمية الوزراء المسيحيين. لكن مراقبين يرون ان الحل الذي يحفظ ماء وجه القوى الداخلية المعنية بالتأليف الحكومي هو اعادة النظر بحكومة الاختصاصيين لصالح حكومة تكنو-سياسية.

واذا كانت حجة وجود حراك شعبي كان يطالب ب​حكومة تكنوقراط​ في الأشهر الماضية بعد استقالة ​حكومة الحريري​ الأخيرة، فإن هناك عاملين يساهمان في التوجه نحو نسف مشروع التكنوقراط: أولا، فشل تجربة ​حكومة حسان دياب​ المصنّفة في خانة التكنوقراط. ثانياً، لم يعد يهم اللبنانيون سوى تأليف حكومة جديدة تضع حداً للإنهيار الإقتصادي الحاصل في البلد، ايّاً يكن شكل واسم تلك الحكومة، بعدما تراجعت قيمة العملة الوطنية وأصيب لبنان بنكبة معيشية يُصبح فيها المواطن هو الضحية. المهم هو وضع خطة معالجة وتنفيذ إصلاح شامل كامل.