اشار البطريرك مار بشارة ​الراعي​ الى ان المواطن عندنا يعاني من جراحات الجوع والعوز، والبطالة والحرمان، والإستبداد والظلم، والإستكبار. والسلطات السياسيّة يمعنون في إزدياد هذه الجراح بتعطيل ​مسيرة​ ​الدولة​ ومؤسّساتها الدستوريّة، وعلى رأسها عدم تشكيل ​حكومة​ وعرقلة العدالة بالتدخّل السياسيّ. واعتبر في قداس الاحد الابرص في بكركي، بان "واقع الدولة نخرها الفساد، بعيدًا عن الحياء ومخافة الله ومحكمة الضمير، والتي يمعن الموكّلون على حمايتها وإنمائها في خرابها وتهديمها وفكفكة أوصالها، وإفقار مواطنيها، وتبديد قواها الحيّة، من أجل البخيس من الحصص والمصالح الخاصّة النفوذيّة والمذهبيّة وما وراءها من مكاسب ماليّة. وهذا ما نحن نشجبه بالمطلق".

ولفت الراعي الى إنّنا نضمّ صوتنا، الصاعد من عمق قلبنا مجروح، إلى أصوات منكوبي إنفجار بيروت. وهم أهالي الضحايا ال 204، و 6500 جريحًا، و300،000 مشرّدًا من أصحاب البيوت والمتاجر والمؤسّسات المهدّمة والمتضرّرة. هؤلاء كلّهم كانوا ينتظرون نتيجة التحقيق ​العدل​ي منذ أكثر من ستة أشهر، إلى جانب الموقوفين من دون إثبات قانونيّ، فإذا بشكليّات وبراهين واهية تطغى على كلّ هذه الكوارث فتكفّ يد المحقّق العدليّ، ليعود التحقيق إلى نقطة الصفر. وهذا يثبت المطلب الأساسيّ منّا ومن غيرنا بضرورة التعاون مع محقّقين دوليّين، نظرًا لإتساع رقعة هذه الجريمة ضدّ الإنسانيّة. وفي كلّ حال، نتمنّى للمحقّق الجديد الرئيس طارق البيطار النجاح والإسراع في مهمّته الدقيقة. ونتمنّى للقضاء الذي كان إحدى منائر ​لبنان​، الإفلات من يد السياسيّين والنافذين، فلا تظلّ تشكيلاته مجمّدة، ولا تكون أحكامه مؤجّلة، وملفّاته "غبّ الطلب"، ولا أداة لإتهامات كيديّة. وإلّا كيف يكون العدل أساس الملك؟

واشار الى انه أمام هذا الواقع المؤسف، بالإضافة إلى إستحالة التفاهم بين المرجعيّات السياسيّة لتشكيل "حكومة مهمّة"، ولإتخاذ أيّ قرار إصلاحي منذ ​مؤتمر​ "CEDRE"، وإلى فقدان الثقة فيما بين هذه المرجعيات، وانقطاع الحوار، وتوقّف عجلات الدولة، وعدم وجود سلطة دستوريّة قادرة على إحيائها، دعونا إلى مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية منظّمة الأمم المتّحدة، من أجل إعادة إحياء لبنان، عبر تحصين وثيقة الوفاق الوطنيّ الصادرة عن مؤتمر الطائف سنة 1989، وتطبيقها نصًّا وروحًا، وتصحيح الثغرات الظاهرة في الدستور المعدّل على أساسها سنة 1990. أمّا الهدف الأساسيّ والوحيد فهو تمكين الدولة اللبنانيّة من أن تستعيد حياتها وحيويّتها وهويّتها وحيادها الإيجابي وعدم الإنحياز، ودورها كعامل إستقرار في المنطقة. واعتبر إنّ ما نطمح إليه عبر هذا المؤتمر هو دولةٌ موحَّدةٌ بشعبِها وأرضِها، بشرعيّتِها وقرارِها، بمؤسّساتِها وجيشِها، بدستورِها وميثاقِها؛ ودولةٌ قويّةٌ تَبني سِلمَها على أساسِ مصلحتها الوطنية وحقِّ شعبِها بالعيش الآمن، لا على أساسِ مصالحِ دولٍ أخرى؛ ودولةٌ ديمقراطيّةٌ حضاريّةٌ تَعيش زمانَها، وتواصل رسالتها في بيئتها المشرقيّة بتلاقي الحضارتين المسيحيّة والإسلاميّة والعيش المشترك النموذجيّ.

ولفت الى انه إذا كان مؤتمر الطائف، الذي عُقد برعاية عدد من الدول العربيّة والأجنبيّة، قد وضع حدًّا للحرب الأهليّة في لبنان من دون رجعة، نأمل من المؤتمر الدوليّ الخاص برعاية الأمم المتّحدة أن يقيم لبنان من تعثّره إلى سابق عهده، وأن يصحّح مسبّبات هذا التعثّر.