باتت أغلب القوى السياسية مقتنعة بصعوبة الوصول إلى تسوية محلية تقود إلى ​تأليف الحكومة​ العتيدة قريبا، الأمر الذي يدفعها إلى التعويل على التدخل الخارجي، الذي لا يبدو أنه في وقت قريب، بالرغم من المواقف التي تعبر عنها العديد من الجهات، بالإضافة إلى الحراك الدبلوماسي الذي يتولاه بعض السفراء.

في هذا الوقت، تصاعد "الكباش" المحلّي، خصوصاً بعد اللقاء بين رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، على وقع تردّي الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة، نتيجة الإرتفاع المستمر في سعر صرف ​الدولار​ مقابل ​الليرة​، بالإضافة إلى تراجع القيمة الشرائيّة للرواتب و​الأجور​.

في هذا السياق، تشدد مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، على أن مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين القادرين على إحداث خرق ما في الساحة اللبنانية ينشغلون بالعديد من الملفات الأخرى التي تبدو أكثر أهميّة بالنسبة لهم، فالجانب الأميركي يتركّز إهتمامه على المستوى الإقليمي بالملفّ ال​إيران​ي، حيث الرغبة في صياغة إتفاق جديد مع طهران يتزامن مع إعادة ترتيب العلاقات مع حلفائها، بينما على المستوى الدولي لديه الملفان الصيني والروسي.

أما الجانب الروسي، الذي أظهر حماسة كبيرة في الفترة الماضية، توضح هذه المصادر أن الأساس بالنسبة إليه هو الساحة السوريّة، حيث الرغبة في تكريس الواقع الذي حقّقه عسكرياً وسياسياً، عبر العمل على إنجاز تسوية كبرى ينضم إليها مجموعة من اللاعبين الجدد، وتشير إلى أنّ تعاطيه مع الساحة اللبنانية ينطلق من هذا الواقع، على الأقلّ حتى الآن.

بالنسبة إلى اللاعبين الإقليميين، أيّ إيران و​السعودية​، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ طهران في الأصل تفوّض إدارة الملف اللبناني لأمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​، بينما هي لديها اليوم إنشغالات أخرى تكمن بالمفاوضات مع ​واشنطن​، بالإضافة إلى التحضير للإنتخابات الرئاسيّة لديها في شهر حزيران المقبل، من دون تجاهل الصراع الذي تخوضه مع تل أبيب على مستوى البحر الأحمر.

أما الجانب السعودي فهو، بحسب المصادر السياسية المطلعة، منشغل في كيفية ترتيب علاقاته مع واشنطن بعد فوز الرئيس الأميركي جو بايدن بالإنتخابات الرئاسيّة، بالإضافة إلى إنشغاله بالملفّ اليمني الذي يمثل بالنسبة إليه أولويّة قصوى، خصوصاً مع تزايد الهجمات التي تشنها حركة "أنصار الله" داخل المملكة، وهو في الأصل لم يُعِد سفيره في لبنان وليد البخاري إلى البلاد إلا في الفترة الماضية.

من وجهة نظر هذه المصادر، يبقى الجانب الأوروبي، تحديداً الفرنسي، الذي يبدي منذ فترة طويلة حرصاً على إحداث خرق ما في الساحة المحلية، من خلال المبادرة التي كان تقدم بها الرئيس ​إيمانويل ماكرون​، نظراً إلى مصالحه الكامنة في ​البحر المتوسط​، بالإضافة إلى رغبته في عدم إنهيار الأوضاع أكثر بسبب القلق من أن يكون منطلقاً لموجات هجرة غير شرعيّة جديدة، إلا أنه لا يملك مقوّمات فرض التسوية على كافة الأفرقاء المحليين، بدليل مصير المبادرة العالقة منذ الرابع من آب الماضي، أيّ تاريخ الإنفجار الذي وقع في ​مرفأ بيروت​.

في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها بأنه، على الرغم من قناعتها بأن مفتاح الحلّ هو في الخارج أولاً، على القوى السياسية أن تبادر إلى إنتاج المحلّي، نظراً إلى خطورة مرحلة الإنتظار القاتل على مستوى المنطقة والعالم، حيث من الممكن أن يكون الثمن الذي يدفعه لبنان بسبب ذلك كبيراً.