منذ مطلع العام 2020 الماضي، تُواجه دول العالم كافة حربًا ضارية بوجه وباء "​كوفيد 19​"، وبعض الدول تمكّنت من السيطرة على إنتشاره إلى حدّ كبير، وأخرى فشلت بذلك، وأغلبيّة واسعة تشهد طلعات ونزلات حادة في هذه الموُاجهة المَفتوحة، مع كل ما يعنيه هذا الأمر من إنعكاسات سلبيّة على حياة الناس وعلى إقتصاد العالم وعلى نسب ​البطالة​. وشاء القدر والحظّ العاثر، أن تتزامن مُواجهتنا للوباء في ​لبنان​، مع أصعب مرحلة إقتصاديّة وماليّة في تاريخنا الحديث. فهل سنتمكّن من السيطرة على "​كورونا​" قبل الصيف؟.

بحسب المسار الحالي لتطوّر الحالة الوبائيّة في لبنان، التوقعات سلبيّة! وبحسب التقديرات، إنّ الرقم الإجمالي للمُصابين بوباء "كوفيد 19" في لبنان سيتجاوز مطلع شهر أيّار المُقبل عتبة النصف مليون شخص، على أن يكون نحو أربعمئة ألف شخص منهم قد شُفوا تمامًا من المرض، ونحو مئة ألف في حكم المُصابين، ناهيك عن أنّ عدد الوفيات الذي تجاوز حاليًا عتبة الستة آلاف شخص سيتجاوز بعد شهر من اليوم، أيّ مطلع أيّار عتبة السبعة آلاف وخمسمئة ضحيّة. وليس بسرّ أنّ عدد المُصابين الجدد، يتراوح يوميا بين 3000 و3500 شخص بمعدّل عام، مع إستثناء يومي العطلة حيث تتراجع الأرقام نتيجة تراجع عدد فُحوصات "بي سي آر"، وليس لأيّ سبب آخر. كما أنّ عدد الوفيّات اليوميّة هو بحدود 50 شخصًا بمعدّل عام، علمًا أنّ كل الإجراءات التي إتخذت في الأشهر الماضية لم تتمكّن من خفض نسب "إيجابيّة الفُحوصات"، والتي لا تزال تزيد على 17 % لكل مئة إختبار، وهذه نسبة مرتفعة وتؤكّد الإنتشار الوبائي المُجتمعي.

وفي خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، لبنان على موعد مع سلسة من الأعياد المسيحيّة والإسلاميّة، وهناك تخوّف كبير من إرتفاع في أعداد المُصابين من قبل مسؤولي ​وزارة​ الصحّة، بذريعة الإختلاط الكبير المُرتقب. لكنّ هذه الذريعة التي أعطيت إثر إرتفاع ​الإصابات​ عقب عيدي ​الميلاد​ ورأس السنة، هي مُجتزأة جدًا، ولا تعكس الواقع الحقيقي. فالإصابات بقيت مرتفعة، بعد مرور أسابيع عدّة على هذه الأعياد، والأسباب مُتعدّدة، وأبرزها إقتصار تطبيق إجراءات مُكافحة وباء "كوفيد 19" على مناطق دون أخرى، وإحتيال الكثير من المُواطنين على القانون وإلتفافهم عليه، وإستمرار ​الدولة​ في إجراءاتها غير المنطقيّة لجهة إقفال محال لا إختلاط فيها والسماح بفتح أسواق تُعاني من إختلاط كبير جدًا بين المواطنين الذين لا يلتزمون بأدنى شُروط ​الوقاية​. وإذا كان صحيحًا أنّ دول العالم أجمع تلجأ بين الحين والآخر إلى قرارات ​الإقفال​، لخفض أرقام الإصابات في كلّ مرّة ترتفع فيها، فإنّ الأصحّ أنّ جدّية تطبيق هذه الدول إجراءات الإقفال على الجميع بكل حزم تنعكس دائمًا ِإيجابًا على النتائج، بعكس الحال في لبنان، بسبب وُجود تمييز خطير في جديّة الإجراءات وإقتصار تطبيقها الحازم على مناطق معيّنة دون سواها، الأمر الذي أسفر عن فشل كل إجراءات الإقفال السابقة.

وفي ما خصّ عمليّات التلقيح، وفي الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة توفير ​اللقاح​ات للناس في الدول المُتقدّمة بما سيكفل توفير الحماية المُجتمعيّة المَطلوبة بحلول فصل الصيف، يسير لبنان بوتيرة شديدة البُطء في هذا السياق. وحتى تاريخه تمّ توفير اللقاح لنحو 130 ألف شخص فقط، نصفهم لم يحصل بعد على جرعته الثانية، علمًا أنّ فعاليّة الحماية تبدأ بعد مرور أسبوعين على تلقّي الجرعة الثانية. وبالتالي نحن لا نزال بعيدين جدًا عن توفّر الحماية المُجتمعيّة التي تستوجب تلقيح ما بين 70 إلى 80 % من إجمالي سُكّان أي بلد! وبالتالي، علينا في لبنان تلقيح نحو 4.5 مليون نسمة من أصل 6 ملايين شخص يعيشون في لبنان حاليًا، بين لبنانيّين ولاجئين فلسطينيّين و​نازحين​ سوريّين! والمُضحك المُبكي أنّ السُلطات الصحيّة التي تشكو ليل نهار من ضعف الإقبال على منصّة التسجيل لتلقّي اللقاح، لم توفّر اللقاح بعد سوى لنحو 12 % من اللبنانيّين الذين تسجّلوا لأخذ اللقاح، حيث أنّ رقم المُسجّلين تجاوز عتبة المليون شخص، وعلى الدولة الإسراع بتلقيحهم، قبل أن تشكو من عدم التسجيل، لأنّ المُشكلة عندها وفي بطء إجراءاتها، قبل أن تكون في غياب الوعي والحسّ بالمسؤوليّة لدى المُواطنين في لبنان!.

وأمام هذا الوضع الصعب، ومع التأخّر الكبير في عمليّات التلقيح التي تبلغ نحو 8 آلاف لقاح في اليوم، تقرّر فتح الباب أمام القطاع الخاص للمُساعدة، مع إستمرار رقابة وزارة الصحة. لكنّ حتى هذا الإجراء الذي يُتوقّع أن يُسرّع وتيرة التلقيح نسبيًا، خاصة وأنّ لبنان موعود بوُصول كميّات كبيرة من ​اللقاحات​ خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، إنّ توفير الحماية المُجتمعيّة من الوباء مُستحيل قبل الصيف. حتى أنّ الوُصول إلى هذه الحماية قبل الموسم الدراسي المُقبل مُستبعد أيضًا، الأمر الذي سيُشكّل كارثة جديدة للقطاع التربوي، لأنّ التعليم عن بُعد غير متوفّر للجميع، وهو-وإن توفّر للبعض، يبقى دون مُستوى التعليم الحُضوري، مع الإشارة إلى أنّ خيار العودة إلى المدارس غير منطقيّ في ظلّ حجم الإصابات الحاليّة. وليس بسرّ أنّ إستمرار تفشّي الوباء يعني إستمرار ضرب كل القطاعات، وليس التربويّة فحسب، لا سيّما القطاعين الإقتصاديّ والسياحيّ اللذين يُعانيان أصلاً من مشاكل كبرى بسبب إنهيار العملة الوطنيّة، وإفتقاد أغلبيّة اللبنانيّين للقُدرة الشرائية، بسبب الغلاء المُستشري.

في الخُلاصة، تنتظرنا مرحلة صعبة سياسيًا وإقتصاديًا وماليًا وكذلك وبائيًا، للأسف الشديد! وبسبب حال اليأس الجماعيّة من الدولة والمسؤولين وحتى من الناس، يُطبّق قسم كبير من اللبنانييّن حاليًا مَقولة "إنج بحياتك"(Sauve qui peut)، بحثًا عن لقاح فرديّ من أيّ مصدر، وبحثًا عن دخل بالعملة الصعبة من أيّ مصدر، وبحثًا عن باب هجرة إلى الخارج من أيّ مصدر أيضًا!.