مهما كان الرأي من رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، لجهة تأييد مواقفه او معارضتها، فإنه من الثابت ان الرجل يمكن وصفه بـ"الساحر"، لانه قادر على الخروج من أيّ مشكلة او مأزق قد يجد نفسه فيه، وبطريقة تحفظ صورته وصورة الآخرين على حد سواء. هكذا وجد بري المخرج المناسب لرسالة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، فخرج منها "متل الشعرة من العجينة" كما يقال في الاقوال الشعبية ال​لبنان​ية، واعاد الموضوع الى كل من عون ورئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​. ولكن برّي لم يقبل ان يمرّ الموضوع مرور الكرام، فوجّه بدوره رسالة الى عون مفادها ان لا مفرّ من التوافق مع الحريري، وانه مصرّ على ذلك، ولا يمكن البحث عن نص دستوري او القيام بمحاولات من هنا وهناك وجسّ نبض اطراف خارجية وداخلية للضغط في هذا السياق، لان الظروف الحالية لا تسمح بهذا التغيير او بالضغط على أيّ جهة لتغيير رأيها وبخاصة رأي بري المتمسك بالحريري حتى النهاية.

في المقابل، لا يمكن القول ان النتيجة التي اسفرت عنها مناقشة رسالة الرئيس في مجلس النواب، مفاجئة لاحد، وتحديداً لرئيس الجمهورية الذي بات يدرك ان عليه التعايش مع الحريري، ولكنه يبذل كل جهده كي تكون هذه المساكنة بشكل متكافىئ وليس عبر ترجيح كفّة رئيس الحكومة المكلّف عليه. ولكن برّي فشل في مسعى جمع الحريري برئيس ​التيار الوطني الحر​ ​جبران باسيل​، على الرغم من انه التقى كلاً منهما في اوقات مختلفة، ليبلغهما مضمون ما سيصدر عن المجلس في ما يتعلق بالرسالة، وبطريقة تطمئن الجميع، ويحاول جمعهما لينجح حيث فشل الفرنسيّون، ولكن المسعى لم يبصر النور. بالواقع، من اسباب فشل اللقاء المنتظر، وفق ما يتردد في الصالونات، هو طلب بري من باسيل تأمين ارضيّة مناسبة للقاء، عبر اعطاء تطمينات للحريري بالتعاون، كي لا يكون اللقاء مجرد كسر للجليد مع الابقاء على الازمة كما هي. ولكن باسيل، طالب من جهته بتطمينات تعطى له ولرئيس الجمهورية، فيما كان الهجوم المضاد للحريري أقل وطأة مما توقعه الكثيرون، لانه فعل ما اتهم به رئيس الجمهورية، اي محاولة التنصّل من المشكلة، فيما هو طرف اساسي فيها ومنذ زمن بعيد، وغارق حتى اذنيه منذ بداية العهد على الاقل بفعل التسويات التي كان يشارك فيها بكل "طيبة خاطر"، ويحاول اليوم غسل يديه منها. وما قاله في كلمته لا يقنع اي عاقل بأنه يرضى بقرار المجلس عند ​تشكيل الحكومة​ من حيث اعطائها الثقة ام حجبها، لانه في الحالتين سيبقى في خانة تصريف الاعمال، وسيكون بالتالي في السراي الكبير الى ان تجري استشارات نيابية جديدة قد تفضي (بفضل برّي طبعاً) الى الابقاء عليه، انما هذه المرة مع صفة اكثر تمثيلاً، وهي العقبة الاساسية بالنسبة الى عون ومن خلفه باسيل والتيار الوطني الحر، لان اي سيناريو لفشل قيام حكومة جديدة او اجراء انتخابات رئاسية، يعطي الحريري الصفة الابرز في الدولة، وتجعله وفق ​الدستور​ الوصي الشرعي من الناحية التنفيذية على لبنان.

لم تقدّم الرسالة اي جديد على صعيد تشكيل الحكومة، وكل ما فعلته هو انها كانت جزءاً من منافسة تسجيل النقاط، فبقيت الامور عند نقطة البداية، دون ان تتحرك، وقد تكون قد حثّت على استنباط بعض الافكار الجديدة، ولكنها حتماً لم تساهم في انضاج اي حل، ما يؤكد بما لا يقبل الشك ان المشكلة ليست داخلية بل خارجية وينتظر لاعبو الداخل صافرة الحكم للبدء بلعبة التشكيل وما يليها.