هذه ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن أزمة المصارف وانعكاسها على الموظفين، فمع بداية ​الإنهيار الإقتصادي​ أطلقت المصارف عملية "إعادة هيكلة" غير رسمية، كانت تهدف إلى تقليص حجم النفقات ولم يسلم منها "الحجر" و"البشر" فأغلقت الفروع، وخرج الموظفون من أعمالهم باتفاقات رضائيّة، حتى أصبحنا اليوم أمام ما يزيد عن 3000 موظف مصرفي بلا عمل.

لا يكفي عدد الموظفين الخارجين من المصارف، فالرقم لا بدّ أن يصل إلى مشارف الـ5 آلاف حتى تتحقّق الغاية، وكانت النيّة أن تستمر المصارف بحملة ترغيب الموظفين للخروج من الوظيفة، ولكن تغيّر الواقع مع تغيّر بعض المعطيات.

تُشير مصادر مطّلعة إلى أن المصارف استهدفت الفئات العمريّة الكبيرة لدفعها إلى تقديم الإستقالة مقابل الحصول على حوافز ماليّة، وبعد أن انتهت من هذه العملية، وجدت أن الأرقام ليست كافية، وبالتالي عليها الإستمرار في البحث عن وسائل جديدة لتقليص عدد الموظفين، الأمر الذي تنبّه له اتحاد ​نقابات موظفي المصارف​ في ​لبنان​، إذ وضع حدّاً لعملية الصرف التي تقوم بها المصارف، ونجح بفرض "إتفاقيات" ترعى عمليات الصرف من الخدمة، وبالتالي لم يعد مقبولاً خروج الموظف بموجب بروتوكلات خاصة به وحده...

إذاً، أصبحت عملية الصرف أكثر صعوبة، وبالتالي كان لا بد للمصارف أن تبحث عن وسائل جديدة لتقليص أعداد الموظفين، فوجدت، بحسب المصادر، أن الحلّ الامثل هو "دفع" الموظف للرحيل، فكيف يتمّ ذلك؟.

تكشف المصادر عبر "النشرة" أن بعض المصارف الكبيرة التي أقفلت الفروع، واغلقت بعض المكاتب داخلها، باتت تضيّق على الموظفين لجعلهم يقدمون استقالاتهم طواعية ومن تلقاء أنفسهم. وتضيف: "تبدأ الامور من الرواتب حيث لا يوجد ثبات فيها، ومع كل شهر يتم احتساب الاجور على أساس جديد، علماً أن أجر "النقل" لا يزال على حاله رغم تغيّر أسعار خدمات التنقّل بشكل رسمي، والأمر الأصعب هو أن جزءاً من الراتب يحصل عليه الموظف على أساس ​دولار​ المصارف، ولكن بالمقابل لا يحقّ له ان يستعمل "الدولارات" التي يملكها في حساباته داخل البنك".

ومن الامور التي تمارسها بعض المصارف للتضييق على الموظفين، حرمانهم من العطل السنوية، تارة بحجة ​الإقفال​ العام الذي مرّ به لبنان بسبب "​الكورونا​"، وتارة بسبب إصابة الموظف بالوباء، إذ أن بعضها اعتبرت عطلة الإصابة بالفيروس على حساب الموظف وتُحتسب من عطلته السنوية.

هذه الإجراءات تطوّرت أكثر فأكثر، بحيث أصبحت تتعامل مع الذين تلقوا "بروتوكولات خروج" ولم يخرجوا، بكيدية، إذ أحياناً يتم نقل الموظف من مكان عمله إلى مكان آخر يكون بعيداً عن مركز إقامته، وهذا ما يجعله يفكر بترك العمل، وكل ذلك يُضاف إلى الضغط اليومي الذي يعانيه الموظف جرّاء "كره" الناس للمصارف.

لم تعد وظيفة البنوك "الوظيفة الحلم" بالنسبة للشباب، فهي تحولت في كثير من الأحيان إلى مهنة صعبة تحمل مخاطر مرتفعة، وعلى ما يبدو أنها ستستمر، خاصة في المصارف الكبيرة التي كانت تمتلك ما يزيد عن 100 فرع. يقول العارفون في ​القطاع المصرفي​ أن كل هذه الإجراءات باقية إلى حين الوصول إلى الهدف المنشود في الهيكلة الرسمية.