أشار ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​، الى أنه "في هذه المرحلة التي يعيشها ال​لبنان​يون، اريد التركيز على النهوض من الازمة الاقتصادية الخانقة التي نواجهها، لأن اي كلام آخر لن يهم الناس، فمنذ عودتي الى لبنان، وحتى انتخابي رئيسا للجمهورية، عاينت الانقسامات السياسية الحادة التي كانت تضر بمصالح لبنان ومستقبل ابنائه على حساب ​تحقيق​ مصالح طبقة سياسية متجذرة في ​السلطة​ والفساد".

وفي حوار مع مجلة الأمن العام، لفت ​الرئيس عون​ الى انه "مع تسلمي مسؤولياتي ​الدستور​ية كرئيس للجمهورية، وضعت نصب عيني، مجموعة اهداف اساسية يمكن اختصارها في السعي الى انتظام العمل المؤسساتي، وتحقيق الاصلاح، ومكافحة الهدر والفساد، وتعزيز السلطة القضائية، والاستفادة من ثروات لبنان الطبيعية.الى اليوم، الاهداف لم تتغير، ولكن تحقيقها يلقى ممانعة شرسة ممن جعلوا السلطة مكسبا لهم ولعائلاتهم، واوصلواالبلاد الى هذا الانهيار الاقتصادي الذي نشهده.لكن على الرغم من المعوقات، تمكنا من تحقيق الكثير من الانجازات السياسية والانمائية والاقتصادية التي حجبتها،ويا للاسف، الازمة الحالية، وابرزها اقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، واطلاق مسار التنقيب عن النفط في مياهنا الاقليمية، والقضاء على الارهاب وارساء الاستقرار الامني، وتحقق الانتظام المالي من خلال اقرار موازنات الدولة للمرة الاولى منذ العام 2005، اضافة الى ملء الفراغ في التمثيل الديبلوماسي في الخارجوغيرها. حتى آخر لحظة في ولايتي الدستورية، سأسعى مع مَن تبقى من خيرين في هذاالوطن، الى استعادة الدولة ممن عاثوا فيها فسادا وتهديما لابسط مقومات الحكم الرشيد".

وتابع :"هناك مسؤوليات مشتركة لتحقيق بناء الدولة. على المسؤولين اليوم، الذين وصلواالى السلطة ضمن عملية انتخابية فوّض اليهم فيهاالشعب حق رعاية مصيره، وازدهاره، وكرامة عيشه، ان يستعيدوا ثقة ناخبيهم بهم، ويدركو اان التفويض الانتخابي الذي هو مدخل انشاء السلطة في لبنان، لا يجوز ان يتحول الى فرصة لضرب حقوق اللبنانيين عرض الحائط، وتقويض اسس الدولة، ونهب خيراتها وتعب ابنائها. في المقابل، على كل انسان ان يحاسب مَن فوضه، ويتعلم من الدروس الصعبة التي تلقنها منذ 30 سنة الى اليوم، بدل تكرار الاخطاء نفسها وتوقع نتائج مختلفة"، معتبرًا أنه "كفانا في لبنان انجرارا اعمى خلف طائفيتنا والزعامات التي فشلت الى اليوم في بناء دولة، لا بل ساهمت في تدميرما تبقى منها بعد انتهاء الحرب. على اللبنانيين ان يسعواالى ولادة طبقة سياسية جديدة تحقق ​الدولة المدنية​الحديثة التي من شأنها وحدها كسر دوامة الترهل السياسي والاداري، والتجاذبات الحادة المرتكزة على اسس طائفية".

وردًا على سؤال حول اذا كانت المشكلة في الدستور ام في عدم تطبيقه، أجاب عون :"في الاثنين معا، بعض مواد الدستور تحتاج بالفعل الى تفسير واضح. كنا نأمل في ان يتولى المجلس الدستوري تقديم هذا التفسير، لكن مجلس النواب اعتبر انه المعني بذلك فحصر هذه المسألة المهمة به. وقد اظهرت الممارسة السياسية وجود ثغر في تطبيق الدستور، من ضمنها عدم وجود ضوابط ومهل لممارسات دستورية مختلفة، ابرزها مهلة تشكيل ​الحكومة​، وبعض صلاحيات رئيس الجمهورية. لذا،اذا اردنا فعلاانتظام الحياة السياسية وعمل المؤسسات من الان فصاعدا، يجب معالجة هذه الثغر التي تتسبب باضرار بالغة على حياة المواطنين".

وفي الملف الحكومي، اوضح عون أن "هناك صعوبات من الداخل واخرى من الخارج، كما ذكرت سابقا. سعيت من جهتي كرئيس للجمهورية منذ اليوم الاول لتكليف الرئيس سعد الحريري، الى تقديم كل التسهيلات اللازمة التي تساعد على تشكيل الحكومة في اسرع وقت ممكن. لكن الرئيس المكلف لم يراعِ في عملية التأليف مبدأالشراكة الوطنية التي تنص عليها وثيقة الوفاق الوطني، وحصل بعض التجاوز لصلاحيات رئيس الجمهورية ودوره في عملية التشكيل، وفقا للفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور، وسط تعمية للحقائق واثارة زوابع اعلامية تؤجج مشاعر الناس، وتخفي النواياالحقيقية لاصحابها، اضافة الى ان صيغة التشكيلة الحكومية التي قدمت لي لم تكن متوازنة، ولم تراعِ في بعض التسميات مبدأالاختصاص، الذي شكل من البداية عنوانا للحكومة المنتظرة.التنازلات مطلوبةاليوم من الجميع في هذه المرحلة، وما نحتاجه حقيقة لتسريع تشكيل الحكومة، هو وقفة ضمير وعدم الارتهان للحسابات السياسية الضيقة".

من جهة اخرى، لفت عون الى ان "​فرنسا​ تسعى مشكورة، عبر رئيسها ​ايمانويل ماكرون​، الى ايجاد ارضية مشتركة للتفاهم على الانقاذ في لبنان. طبعا، تشكيل حكومة تحظى بثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي معا هو الممر الالزامي لتحقيق هذاالهدف.العلاقات اللبنانية -الفرنسية متينة ومتجذرة، ويندرج اهتمام الرئيس ماكرون ومبادرته ضمن هذاالسياق التاريخي. فهو ابدى اهتماما بالوضع في لبنان من كل النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها. في الرسالة التي وجهتهااليه، عرضت بعض القضاياالتي تهم البلدين، واكدت تمسكي بالمبادرة الفرنسية، وبضرورة تشكيل حكومة تنطبق عليهاالمواصفات التي توفر لها حصانة سياسية تمكنها من تحقيق الاصلاحات المنشودة.وقد عبّر وزير الخارجية الفرنسية لودريان بوضوح عن رغبة بلاده في رؤية المسؤولين في لبنان يتضامنون من اجل الخروج من المأزق. من جهتي، شرحت له بشفافية المعوقات، وفي النهاية المسؤولية تقع على عاتق اللبنانيين وحدهم لانقاذ بلدهم".

وفي ملف التدقيق الجنائي، كشف عون انه "منذ بداية طرحنا لموضوع التدقيق الجنائي، بدأت العراقيل والالغام تتبدى وتظهر. حاولت تذليل العقبات واحدة بعد الاخرى، وتوصلنا الى اقرار قانون في مجلس النواب يقضي بتعليق العمل بقانون السرية المصرفية لمدة سنة، لكن مصرف لبنان ظل يمتنع عن تقديم العديد من الاجابات عن اسئلة شركة الفاريز ومارسال"، مشيرا الى ان "جريمة الانهيار المالي متشابكة الاطراف، ومرتكبوها كثر، بعضهم ما زال في السلطة والزعامة الى اليوم. هم يستميتون للافلات من العقاب، وانا لن اتوانى عن ملاحقة الموضوع الى النهاية".

وشدد على ان "خلاص لبنان لن يتم اذا لم يتم الكشف عمن اوصلواالبلاد الى هذاالدرك من الانهيار الاقتصادي.مهما وضعت صعوبات امام التدقيق الجنائي، واختلقت اعذار، ومددت مهل، لن اتراجع عن متابعته.في النهاية التدقيق الجنائي سيحصل، وهو الاساس في الاصلاحات، فضلا عن انه البند الاول في المبادرة الفرنسية، ومطلب اساسي للمجتمع الدولي".

وتابع :"المنظومة الفاسدة متماسكة ومتجذرة، سياسية وغير سياسية، وبعضها كما ذكرت ما زال في السلطة وفي مختلف مفاصل الدولة. العوائق الحقيقية امام مسيرة مكافحة الفساد والاصلاح من صنعها. لا بد كما ذكرت، من سعي اللبنانيين الى تغيير طبقتهم السياسية عبر الانتخابات المقبلة، لتحقيق قيام الدولة التي يحلمون بها".

واضاف :"اكدت في اكثر من مناسبة، واعيد التأكيد، بأن الاستحقاقات الانتخابيةالنيابية و​البلدية​ في العام 2022، ستجري في موعدها. اذا كانت نية مَن يعرقل تشكيل الحكومة السعي الى فرض امر واقع على ابواب الانتخابات، فهو يسعى عن قصد او عن غير قصد، الى الاساءة الى لبنان والى نظامه الديموقراطي، اشباعا لحسابات سياسية آنية ضيقة، ولن اسمح بحصول ذلك، لانني اقسمت اليمين كرئيس للجمهورية على المحافظة على الدستور والقوانين اللبنانية".

وفي ملف ​النازحين السوريين​، ذكّر عون انه "مع بداية ازمة النازحين السوريين وتوافدهم الى لبنان، رفعنا الصوت محذرين من مخاطر النزوح على لبنان. وفي المحافل الدولية عرضناالوقائع والارقام المقلقة المتعلقة بالنازحين، والتداعيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والامنية، التي يخلفهاالنزوح في مجتمعنا، وكنا اول من دعم المبادرة الروسية لاعادة النازحين الى بلادهم، وعملنا ضمن امكاناتنا على تحقيق الاعادة الطوعية لقسم منهمفي اشراف الامن العام. لكن من الواضح في خلال كل هذه المرحلة، ان بعض الدول يريد استعمال موضوع النازحين، ورقة في الحل السياسي الذي لم يتبلور الى اليوم، وهذا ما حذرنا منه مرارا وتكرارا. يتناسى البعض في الداخل والخارج، ان ما وصل اليه لبنان من انهيار مالي واقتصادي، يعود بجزء منه الى تداعيات النزوح".

وأضاف :"لن اوفر اي جهد ممكن للمساعدة على تحقيق عودة النازحين السوريين الموجودين في لبنان الى بلادهم، التي ينعم قسم كبير منها بالامن والاستقرار. فتداعيات النزوح التي تحملها لبنان الى اليوم، فاقت قدراته وامكاناته، وساهمت في الازمة الخانقة التي نعيشها".

وحول الاحداث التي حصلت في فلسطين، أجاب عون :"برهنت هذه الاحداث مرة جديدة على مجموعة حقائق، اولهاان القضية الفلسطينية لم تمت ولن تموت ابدا، وحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة وعاصمتهاالقدس هو حق مقدس، ويجب ان يتحقق مهما طال الزمن والنضال. الحقيقة الثانية هي ان اسرائيل تنتهج باستمرار ​سياسة​ قضم الاراضي الفلسطينية والتضييق على الفلسطينيين ومقدساتهم، واظهارهم للعالم في مظهر المعتدي، فيماالعكس هو الصحيح.الحقيقة الثالثة هيان هيبة اسرائيل وهمية، فبعد انكسارها في لبنان وانسحابهاالمذل، ها هي اليوم تعيش صدمة مقاومة شرسة لأهل غزة، اربكت الكيان الغاصب برمته".

وبيّن أن "لبنان مع ما يؤدي الى عودة الاستقرار الى المنطقة، لاسيمااذا كان ذلك تصحيحا لواقع خاطئ نتيجة استهداف سيادة الدول واستقلالها وسلامة اراضيها"، مضيفا :"في ما تبقى من عهدي، سأواصل السعي الى تحقيق الاصلاحات واستكمال مكافحة الفساد، وانتشال لبنان من الهوة الاقتصادية والمالية التي سقط فيها، وازالة قدر الامكان، رواسب ما حصل في العامين الماضيين".

وتابع :"التركة كانت ثقيلة منذ اليوم الاول لتسلمي مسؤولياتي الدستورية، وحاولنا على الدوام معالجتها وتصحيح الاسس التي اوصلت البلاد الى ما وصلت اليه، لكن الظروف لم تكن دائما مؤاتية. لقد واجهتنا مصائب عدة خارج عن ارادتنا وكان لهاالوقع السيء على اللبنانيين لعل ابرزها الحرب السورية وتداعياتها على قطاعات الدولة كافة مع تدفق النازحين وانتشارهم في معظم المناطق اللبنانية، اضافة الى اقفال الحدود في وجه الانتاج اللبناني المصدر الى الدول العربية مما انعكس سلبا على الاقتصاد الوطني خصوصا في الزراعة والصناعة، ثم حلت جائحة كورونا وما نتج منها من خسائر في الارواح وفي الحياة الاجتماعية وحركة الانتاج، ليقع بعد ذلك الانفجار في مرفأ بيروت والكارثة التي نتجت منه على مختلف الصعد، كل ذلك من دون ان ننسى الديون المتراكمة على الدولة منذ عشرات السنين نتيجة السياسات الحاظئة التي اعتمدت في ادارة شؤون الدولة...ولا يغيب عن بالي هجرة العديد من اللبنانيين الى الخارج وماالحقته من خسارة وطنية كبرى قد يصعب علينا تعويضها".

وأضاف :"في اي حال، وفي ما تبقى من عهدي، لن اوفر اي جهد لتخفيف الام اللبنانيين وعذاباتهم والصعوبات التي تواجههم. لكن يدا واحدة لا تصفق، ويتطلب الامر تعاون الجميع، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على الانانيات والاعتبارات الشخصية التي، مع الاسف، تحكمت باداء بعض الذين اعاقوا عملية الاصلاح، وكل المحاولات التي بذلت لمعالجة ما حصل".

من جهة أخرى، اكد عون انه "لست في وارد الدفاع عن النائب جبران باسيل، فهو قادر على الدفاع عن نفسه. لكن ما استطيع ان اقوله ان باسيل يرأس اكبر كتلة نيابية في مجلس النواب عابرة للطوائف، ويرأس تيارا يمثل فريقا كبيرا من المسيحيين، وطبيعي ان يستهدف من قبل الجهات السياسية التي تخالفه الرأي. الا ان الحملات التي استهدفته في الاونة الاخيرة، اخفت وراءها نوايا تدل على ان الاستهداف له اعتبارات شخصية لا تمت الى الممارسة السياسية بصلة، وهو مثابة character .assassination".

من جهة أخرى، شدد عون على ان "لبنان ليس وطنا عابرا على الرغم من كل الظروف الهشة والتحديات والمخاطر الحقيقية التي تتهدده. اقول ذلك لايماني العميق بأن امتداده يتخطى مساحته الصغيرة، وشعبه يفوق عدد سكانه باضعاف، وفرادته تكمن في حضارته، وابداع ابنائه، وتمازج الثقافات فوق ارضه. لبنان حضور ضارب في التاريخ، وقيامته ليست مستحيلة، لا بل هي حتمية.مع اخذنا كل ذلك في الاعتبار"، مشيرا الى ان "تركيزنا اليوم يجب ان يكون على الحاضر والمستقبل. لا يجوز ان تطول معاناة اللبنانيين. هي مرحلة لا تشبه ربما الا ما عاناه اللبنانيون خلال تجويع العثمانيين لهم في مستهل القرن الماضي، وكنا نسير في مسار متدحرج منذ عقود. ولكن مع الاسف كان يجب على الشعب ان يكون اكثر وعيا في اختيار ممثليه، واكثر انفتاحا على فكرة التغيير والدفع باتجاه الدولة المدنية. لا خلاص اليوم مما نحن فيه الا بالمحاسبة. لا يجوز ان تنهب خزينة الدولة، ويسطى على اموال الناس، وتضرب مقومات الدولة، ثم ينجو الفاعلون تاركين الهيكل يتهدم على رؤوس الجميع. عليناان نضع جميعا حساباتناالسياسية جانبا، ونسعى الى خلاص لبنان. الشيء الوحيد الذي يخيفني هو ان يتوطن اليأس في نفوس الشباب، فتصبح الهجرة حلمهم الوحيد".