عندما إندفع ال​لبنان​يون في تشرين الأول عام ٢٠١٩ لإسقاط ​حكومة سعد الحريري​ والمطالبة ب​حكومة تكنوقراط​، كانوا يعتقدون أنّ السياسيين هم سبب ​الأزمة​ الإقتصادية، وأن الحلّ سيكون عبر وزراء اختصاصيين، لكن سرعان ما وقعت الصدمة الشعبية: ماذا حقّقت حكومة ​حسان دياب​؟ لم يجن ​اللبنانيون​ من أدائها اي ثمار. لا بل إن قمّة الصدمة التي اصيب بها الشعب كانت يوم فرّ وزراء في تلك الحكومة نحو الإستقالات عند أول مطب واجهوه. فما هو السبب؟.

يتذكر اللبنانيون مشوار ال​تأليف​ الذي قطعه رئيس ال​حكومة حسان دياب​ بحثاً في السير الذاتية عن اختصاصيين، من دون النظر إلى القدرات العملية لهؤلاء. كان يعتقد أن حكومته ستكون الأفضل في ​تاريخ لبنان​ الحديث، هذا ما قاله يومها مقربون منه. فهل يعترف دياب شخصياً بفشل خياراته؟ لن يفعل ذلك، لأنه يرمي كغيره المسؤولية على الآخرين. هو كرّر كلاماً علنياً عن مسؤولية الفاسدين ومعطلي الإصلاح، لكنه لم يعترف إنه فشل بسبب قلة خبرته وضعف قدرات وزرائه وتكنوقراطيتهم غير المنتجة في بلد مسيّس بكل الإتجاهات. اين الوزراء المحيطين به؟ ماذا فعل ​دميانوس قطار​ مثلاً؟ علماً أن أداء دياب الشخصي بعد إستقالة حكومته زاد من سوء الأزمة في البلد، لأنه امتنع عن تصريف أبسط الأعمال بسبب طموحات سياسية شخصية لديه. ولم يقم رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ بأي جهد عملي في سبيل الحد من تداعيات الأزمة التي نمر بها. يعتبر اللبنانيون وبمن فيهم من دافع سابقاً عن دياب وتجربته انه فشل في القيام بالحد الأدنى من واجبات ​رئاسة الحكومة​. مما يعني ان كل تجربة التكنوقراط سقطت وانتجت عبئاً اضافياً على اللبنانيين.

واذا كان السعي السياسي يصبّ حالياً في إطار محاولة تأليف حكومة شبيهة بتكنوقراطيتها للحكومة الحالية، فماذا ستقدم للبلد؟

هناك من يقول ان طرح رئيس الحكومة الاسبق ​نجيب ميقاتي​ هو الأفضل والأكثر واقعية في لبنان، إنطلاقا من تجربة رئيس تيار "العزم" وقراءته لموقع لبنان وسوء تجربة حكومة دياب. يقوم الطرح الميقاتي على اساس حكومة تكنوسياسية، رغم حاجة البلد الى ​مجلس وزراء​ يوزّع مسؤوليات الاصلاح والإنعاش على كل القوى السياسية من دون استثناء. لا يمكن القبول وطنيا بأن يتفرج احد على انهيار البلد من دون المشاركة في الإنقاذ.

الأخطر ان لبنان يقع في إقليم معرض للإشتعال بوجود دولة ​اسرائيل​ية تتجه الآن نحو تأسيس حكومة أكثر تشدداً يمينياً. سيؤلف الإسرائيليون حكومة ذئاب، في زمن يسعى فيه لبنان إلى تأليف حكومة حملان. فماذا اذا فُرض على لبنان مواجهة حرب تخوضها اسرائيل؟ وماذا لو تطلّب الأمر اتخاذ قرارات سياسية شجاعة؟ هل يستطيع وزراء التكنوقراط غير المسيّسين تقدير الموقف السياسي الوطني؟.

لم يعتد اللبنانيون على حكومات خفيفة الوزن، ولا مجالس وزراء لايت في مراحل الاستقرار السياسي الداخلي والاقليمي، فكيف يمكن ان تفرض هكذا حكومات انفسها في الميدان اللبناني؟ وهل استطاعت حكومة دياب ان تكسب ثقة شعبية، او تفرض هيبة وطنية، او تعقد اتفاقيات او تنفذ خطط اقتصادية، او اصلاحا او تكافح فساد؟.

اذا كان طرح حكومة الاقطاب لم يعد ممكنا، فإن الجغرافيا السياسية و الأزمات الاقتصادية والمعيشية تفرض على اللبنانيين ان تكون حكومتهم سياسية او تكنوسياسية. فلنرصد ماذا يجري في ​تل ابيب​ حكومياً، من دون تجاهل مخاطر الهروب الإسرائيلي من ازماتهم السياسية الداخلية.