أوضح سفير ​لبنان​ لدى ​الكرسي الرسولي​ في ​الفاتيكان​، ​فريد الخازن​، أنّ "اللقاء الّذي دعا إليه ​البابا​ فرنسيس مع رؤساء الكنائس في لبنان في الأوّل من تموز المقبل، لا طابع سياسيًّا له، وليس ثمّة أجندة خاصّة يريد الفاتيكان تمريرها. فالفاتيكان لا يتبنّى طرحًا سياسيًّا معيّنًا في الشأن اللبناني، وهو غير معني بتجاذبات المحاور السياسيّة، ولا يسعى طبعًا إلى أن يحلّ مكان المسؤولين اللبنانيّين، فهم المعنيّون باتخاذ القرار لوضع حدّ للأزمات المتفاقمة".

وأشار، في حديث إلى "الوكالة الوطنيّة للإعلام"، إلى أنّ "اهتمام الكرسي الرسولي ينصبّ بالدرجة الأولى على معاناة الناس، من أجل وضع حدّ للمسار الانحداري المتواصل، وخصوصًا الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتردّية، أي أنّ الاهتمام بالشأن المعيشي للناس، من كلّ ​الطوائف​ والمذاهب، يأتي في الصدارة. وهذا غير ممكن في ظلّ انسداد الافق السياسي"، مبيّنًا أنّ "الجامع في اللقاء هو الهمّ اللبناني، والهدف ​مساعدة​ لبنان وشعبه بكلّ الوسائل المتاحة في المجالات ​الإنسان​يّة والدبلوماسيّة وسواها، وتفعيل الدعم الدولي للبنان عبر تسليط ​الضوء​ على أوضاعه الصعبة".

وركّز الخازن على أنّ "لذلك، فإنّ الحاجة الى ​حكومة​ مسؤولة في لبنان باتت اليوم تتجاوز الشأن السياسي التقليدي، لتصل الى الحيز الوجودي. فبديهيّات شؤون الحكم باتت حاجة ملحّة للاستقرار في لبنان ولتماسك ​الدولة​ والمجتمع، وأيضًا لدعم ​المجتمع الدولي​، وفي مقدّمه الكرسي الرسولي الحريص على المساعدة دون أي مقابل".

وأكّد أنّه "لا يمكن إعطاء اللقاء صفة ​السينودس​، ولا يمتّ إليه بصلة شكلًا ومضمونًا. كما أنّه لا يشبه السينودس الخاص بلبنان الّذي دعا إليه البابا ​القديس​ يوحنا بولس الثاني في منتصف التسعينيّات، ولا السينودس حول ​الشرق الأوسط​ الّذي أعلن البابا بندكتوس السادس عشر الإرشاد الرسولي الّذي صدر عنه في زيارته إلى لبنان في 2012". وفسّر أنّ "السينودس الكنسي مسار طويل يتضمّن مراحل إعداد منظّمة، بمشاركة الإكليروس ومدعوّين وخبراء من ​العالم​ كلّه، ومن ثمّ يتمّ إعلان الإرشاد الرسولي والاعداد لمرحلة ما بعد السينودس. وهذا يتطلب سنوات من التحضير، إداريًّا وروحيًّا، في حاضرة الفاتيكان وخارجها".

وذكر أنّ "​البابا فرنسيس​ دعا الى سينودس خاص بالخبرة "السينودسيّة"، ينطلق في تشرين الأوّل عام 2021، وعنوانه "Pour une Eglise synodale". فلا حاجة لتفسيرات في غير محلّها، أو إصدار أحكام مسبقة، وصولًا إلى إدعاء البعض معرفة مضامين المداولات بين المشاركين قبل حصولها".

كما لفت الخازن إلى أنّ "رؤساء الكنائس المدعوّين أكّدوا حضورهم. والأهميّة تكمن في مشاركة البابا فرنسيس شخصيًّا في اللقاء، ما يؤكّد اهتمامه وقلقه على لبنان. وسيتضمّن اللقاء صلاة مشتركة في بازيليك القديس بطرس، يتبعها كلمة البابا الختاميّة". وشرح أنّ "الغاية من هذا اللقاء المسكوني في الإطار اللبناني، جمع القيادات الروحيّة المسيحيّة المعنيّة بالشأن اللبناني، وليس تغييب المسلمين. ببساطة، إنّه ​اللقاء المسيحي​ الأوّل حول لبنان الّذي يضمّ الكنائس جميعها، ممثّلةً برؤسائها الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة والانجيليّة، ولكلّ ​كنيسة​ خبرتها ورؤيتها والتزامها. وجمعها في هذا اللقاء محاولة إنتشال البلاد من أزمات يعاني منها جميع اللبنانيّين، مسيحيّين ومسلمين".

وشدّد على أنّه "لا داعي للتأويلات حول اقتصار اللقاء على القيادات الروحيّة المسيحيّة، لا سيّما وأنّ البابا فرنسيس لم يألو جهدًا طيلة حبريته لمدّ الجسور والإنفتاح والتواصل مع الأديان كافّة، وبشكل خاص مع المسلمين. وقد يفيد التذكير بلقاءات البابا مع شيخ ​الأزهر​ في مصر والفاتيكان وفي ​أبو ظبي​، حيث تمّ إعلان وثيقة "الأخوة الإنسانية"، ولقائه الأخير مع المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني في مركز إقامته في ​النجف​".

وأفاد الخازن بأنّه "قد يغيب عن بال البعض في لبنان أنّ طبيعة الأزمات الضاغطة الّتي تصيب الناس في الصميم، أي في حياتهم اليوميّة، أفرادًا وجماعات، لأي طائفة أو جهة سياسيّة انتموا، مختلفة عن التحدّيات الّتي واجهت لبنان في مراحل سابقة، أثناء الحرب وبعدها. لبنان اليوم ليس ساحة حرب، وما من جهة تريدها، بل ساحة صراع بين حقّ الإنسان بحقوقه المشروعة بالعيش الكريم، وواقع العوز والإذلال والتخوّف من مصير عنوانه المجهول؛ بما أنّ الآتي من الأيام قد يكون أعظم".

إلى ذلك، جزم أنّ "المسيحيّين في لبنان مكوّن أساسي في نشوء الكيان. وهم، مع إخوانهم المسلمين، مؤتمنون على عيش مشترك سوي، يجسّد رسالة الحريّة والتعدديّة، حسب ما جاء في كلام البابا يوحنا بولس الثاني في أيلول 1989. وحرص البابا فرنسيس على صون هذه الرسالة وتحصينها". وركّز على أنّ "لا رسالة ممكنة بلا ذاتيّة الكيان الّذي تجسّده الدولة. فالرسالة المرجوّة بحدّ ذاتها لا تصنع الكيان ولا تقيم الدولة العادلة والفاعلة، فتصلح الخلل وتبني لمستقبل أفضل لأبنائها، فيستقيم العيش بكرامة الإنسان ويصان المشترك بالإرادة والالتزام".

وبيّن أنّ "لقاء التفكير و​الصلاة​ المرتقَب، إذ يشكّل حافزًا لمزيد من التقارب والحوار بين المسيحيّين، فإنّه يعطي دفعًا للتعاون المثمر مع المسلمين، وللعمل "معًا من أجل لبنان" (together for Lebanon)، شعار هذا اليوم الفاتيكاني المكرّس للبنان".