لا يبدو أن لدى السلطة السياسية ما تقدمه، في المرحلة الراهنة، في مواجهة الأزمات المتعددة التي تجتاح البلاد إلا "الترقيع"، كالإتفاق الذي حصل بالنسبة إلى المحروقات على فتح اعتمادات على أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد، خوفاً من الفوضى التي تسببها طوابير السيارات التي تصطفّ أمام محطات بيع المحروقات.

عملياً الزيادة التي سيفرضها هذا التدبير لن تقتصر على ​أسعار المحروقات​ بل ستشمل جميع السلع، نظراً إلى دور المحروقات في النقل والتخزين، بالإضافة إلى الدخول في الصناعات، وبالتالي جميع التجار سيلجأون إلى رفع أسعار سلعهم تحت حجة زيادة التكاليف عليهم، الأمر الذي سيدفع ثمنه المواطن على أكثر من إتجاه.

على الرغم من ذلك، قد يكون من المنطقي السؤال عما إذا كانت السلطة نفسها قادرة على الإستمرار في دعم المحروقات على أساس سعر 3900، خصوصاً إذا ما بقيت الأزمة الحكومية من دون أيّ حل على المدى القريب، الأمر الذي سيدفعها حكماً إلى البحث عن أسعار أخرى تكون نتائجها أكثر كارثيّة.

ما تقدّم يقود إلى البحث في أصل المشكلة القائمة، أيّ ما الذي لدى القوى السياسية لتقدمه في الوقت الراهن لتفادي ما هو أسوأ، لا سيما أن الأمور لن تتوقف عند أي حد من دون الذهاب إلى المعالجات المطلوبة.

في هذا السياق، يقدّم ملف ​تشكيل الحكومة​ على أساس أنه الحل السريع، حيث تؤكد مختلف القوى أنّ مجرد ولادته سيؤدي إلى إنطلاق مرحلة جديدة في البلاد، من دون تقديم أي دليل على ذلك، حيث تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ القوى الدوليّة، التي من المفترض أن تلعب دوراً أساسياً على هذا الصعيد، لم تعد لديها أي حماسة، لا بل أن معظمها بات يؤكد أن الرهان هو على ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة.

الأمر نفسه ينطبق على القوى المحلّية، من وجهة نظر المصادر نفسها، حيث لم يعد ينظر إلى أيّ إجراء أو قرار أو موقف إلا على أساس كيفيّة الإستفادة منه في صناديق الإقتراع، الأمر الذي دفع بالبعض إلى الذهاب بعيداً في رفع سقف مطالبه الحكوميّة، بينما دفع بالبعض الآخر إلى البحث عن المواقف الشعبويّة التي تدغدغ مشاعر المواطنين لا أكثر، كمثل النقاش الحاصل حول البطاقة التمويليّة.

في الأساس لدى هذه المصادر مجموعة من الأسئلة حول دور الحكومة المقبلة، التي لم يعد أمامها من مهمّة إلا التحضير للإنتخابات النّيابية، نظراً إلى أن الفترة الفاصلة عنها باتت قصيرة، بينما هي لن تكون في وارد الذهاب إلى أيّ إجراءات غير شعبويّة قد يكون لها تداعيات سلبيّة عليها، كمثل الذهاب إلى إتفاق مع ​صندوق النقد الدولي​ يفترض أن يكون المدخل الأساسي لأيّ مساعدات تأتي من الخارج، نظراً إلى أنّ الشروط التي يفرضها الصندوق لا تتوافق مع رغبات القوى المحلية، التي تفضل الإستمرار في نهج "الشحادة".

من وجهة نظر المصادر المتابعة، هذه القوى لن تتوانى، في الفترة المقبلة، عن الذهاب إلى إستغلال ما تبقى من ​أموال المودعين​، أيّ الإحتياطي الإلزامي، لتمرير الوقت، على أن تبدأ مرحلة البحث عمّا يمكن القيام به من إجراءات بعد الإنتخابات، حيث تكون قد حصلت على ما تريد من إعادة التجديد لها، كما فعلت قبل الإنتخابات الماضية، في العام 2018، عندما أدخلت الآلاف من الموظّفين بشكل مخالف للقانون، مع وعود، تفوق الخيال، في ما يتعلق بتأمين الوظائف والإصلاحات و​مكافحة الفساد​.

بالتزامن، العديد من الجهات، سواء كانت محلية أو خارجية، لن تتردد في إستغلال هذا الواقع لتحقيق أهدافها، التي تقوم بشكل أساسي على منع الذهاب إلى أيّ حلول جذريّة قبل موعد الإستحقاق الدستوري، بهدف السعي إلى إحداث تغيير في موازين القوى النّيابية، خصوصاً أنّ الوقائع الراهنة مناسبة جداً لتحقيق هذا الهدف، بالتزامن مع العمل للحفاظ على الحد الأدنى من الإستقرار الأمني لمنع الذهاب إلى تأجيله.

في المحصّلة، من يريد البحث عن حلول فعلية من المواطنين، لا تكون على حسابه بالدرجة الأولى، عليه أيضاً أن يراهن على الإستحقاق الإنتخابي، بشرط أن يؤمن مناعة ذاتية من أدوات التحريض الطائفية والمذهبية التي ستكون حاضرة بقوة، لأن التغيير الوحيد المتاح هو بيده كي لا يعود بعد ذلك إلى الدوّامة نفسها، لا سيّما أن من تسبب بالأزمات لن يكون قادراً على إنتاج الحلول، في حال توفّرت في الأصل لديه الإرادة لذلك.