طال زمن التأليف الحكومي في ​لبنان​ أكثر من المعتاد. كان يُفترض أن تولد الحكومة خلال اسابيع قليلة، لا ان تبقى عملية معطّلة طيلة أشهر في زمن الأزمات الحادة. وبما ان فريقي رئيسي ​الجمهورية​ ​ميشال عون​ والمكلّف بالتأليف سعد ​الحريري​ يتراشقان الاتهامات بشأن تأخير ولادة الحكومة العتيدة، ويرمي كل منهما طابة المسؤولية في ملعب الآخر، فإن اللبنانيين ينتظرون الفرج، لكنهم وصلوا في الآونة الأخيرة إلى حدّ اليأس في ظل وجود حكومة تصريف اعمال لا تقوم بالحد الأدنى من مهامها.

وحدهم المواطنون يدفعون الأثمان في كل ساعة: بالانتظار المذل على محطات المحروقات، وغياب الادوية من ​الصيدليات​، وارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية والحاجيات، وانهيار قيمة العملة الوطنية التي تضع معها الرواتب في خانة العدم…

ماذا يجري؟

عاود الحريري نشاطه السياسي للوصول الى حلّ: تأليف او اعتذار. لا يزال يحظى بدعم مصري عربياً، وروسي وغربي دولياً، لكن الاميركيين والاوروبيين سبق وطرحوا سيناريوهات البدائل في حال عدم قدرة الحريري على تأليف حكومة في ظلّ العهد الرئاسي الحالي. هم سألوا عن رئيس الحكومة الاسبق ​نجيب ميقاتي​ الذي لا يُظهر شجاعة لتولي المهمّة، علما انّ سقف رئيس تيار "العزم" لن يكون أقلّ من سقف الحريري في ملف تأليف الحكومة، ولا أقلّ تشددا منه في التمسك بصلاحيات ​رئاسة الحكومة​. كما ان المساعي تتركز على ان يتولّى ميقاتي حكومة ما قبل الانتخابات، ولا يبدو ان هناك مصلحة له بأن يترأس حكومة "محرقة" لأشهر فقط.

على خط آخر، كان رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ اول من ينتظر عودة "الشيخ سعد" الى ​بيروت​، قادما من ​ابو ظبي​ بعدما نفى المصريون ان يكون الحريري زار القاهرة في الايام الماضية. بدا ان تمسك بري بالحريري ليس نابعاً من مسألة شخصيّة، بل من تخوف رئيس المجلس ان يدخل البلد في مزيد من الفوضى، خصوصا لعدم وجود بديل مطروح لتولي مهمة تأليف الحكومة. ومن هنا ينطلق بري من السؤال عن البديل، في حال أصرّ الحريري على الاعتذار: هل يوافق السنّة على طرح اسم آخر؟.

كان ​المجلس الشرعي الاسلامي​ عقد اجتماعه الماضي بحضور الحريري، وفُهم وقتها ان السنّة تكاتفوا سياسيا لعدم التساهل مع ملف التكليف الحكومي، على قاعدة طوائفيّة تسود أكثر فأكثر في لبنان منذ ان ارسى التيار "الوطني الحر" مفهوم القوي في طائفته. لذا، فإن القوى السنّية تملك ورقة قوية: عدم تسمية أي بديل من الحريري خلال ​الاستشارات النيابية​ في حال قدم رئيس الحكومة المكلف إعتذاره.

فلنتخيّل ان الاتفاق مع السنّة لم يحصل، فإنّ البلد سيدخل في أزمة ميثاقيّة طويلة ومعقّدة، هي السبب الرئيسي الذي يفرض الحذر في حسابات بري.

اما في حال توصلت القوى السنية الفاعلة الى ترشيح اسم بديل، فإن ذلك يتيح إعادة تفعيل الملف الحكومي ووضعه على السكة الطبيعية.

لا تزال كل الخيارات واردة، لكن الاتفاق غير متوافر لغاية الآن، مما يعني ان خيار الاعتذار ليس قريباً، علما انّ الحريري عقد العزم على بتّأمره في وقت قريب، ومهّد لذلك، كما ظهر في شكل ومضمون اجتماعاته الداخلية المفتوحة.