منذ العام 2005 حتى العام 2018، كانت ​الانتخابات النيابية​ في لبنان تُخاض على وقع انقسام سياسي حاد بين تحالفين: الأول يضم قوى الرابع عشر من آذار، بينما يضم الثاني تحالف قوى الثامن من آذار، إلا أن الاستحقاق المقبل، في العام 2022، سيخاض وفق معطيات مختلفة.

في الماضي، نجحت قوى الرابع عشر من آذار بالفوز بالأكثرية النيابية في عامي 2005 و2009، بينما فازت قوى الثامن من آذار في إنتخابات العام 2018، على وقع التسوية الرئاسية بين "​التيار الوطني الحر​" وتيار "المستقبل" التي قادت إلى تحالفهما في أكثر من دائرة، بالإضافة إلى الخلافات التي كانت قد بدأت بالظهور بين أركان الفريق الأول، خصوصاً "المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية".

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه على الرغم من أن قوى الثامن من آذار كانت تسعى دائماً إلى الفوز بالأكثرية النيابية، يبدو أن التجربة الحالية لم تعد مشجّعة للتركيز على هذه المعركة، خصوصاً أن التحالفات تبدلت بشكل كلي، في السنوات الماضية، بحيث بات رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، أبرز قيادات قوى الرابع عشر من آذار، الحليف الأساسي لمعظم مكوناتها، كرئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ ورئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​.

في المقابل، تلفت هذه المصادر إلى أن "التيار الوطني الحر" يبتعد، يوماً بعد آخر، عن مختلف مكونات قوى الثامن من آذار الأساسية، باستثناء "​حزب الله​"، حيث لم يعد له من حليف ضمن هذه القوى، باستثناء رئيس "الحزب الديمقراطي" النائب ​طلال أرسلان​ وحزب "الطاشناق"، بينما برز لاعب جديد على الساحة، ينظر الجميع إلى دوره وقدراته بعين الريبة، هو مجموعات المجتمع المدني التي أفرزها الحراك الشعبي، الذي انطلق في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019.

وترى المصادر نفسها أن التموضعات السياسية الجديدة ربما تترجم في الإنتخابات النيابية، التي ستخاض على قاعدة سعي كل فريق إلى إدارة معركته الخاصة بعيداً عن حلفائه في معظم الدوائر، خصوصاً المسيحيّة منها، حيث ستكون المعركة الأشرس بين "التيار" و"القوات" للفوز بالعدد الأكبر من المقاعد، كمقدّمة لخوض معركة انتخابات ​رئاسة الجمهورية​.

في هذه الدوائر، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أن مجموعات المجتمع المدني ستكون الحاضر الأبرز، نظراً إلى أنها ستكون مسرحها الأساسي، من دون حسم الشكل الذي ستخوض فيه هذا الإستحقاق، لا سيما لناحية أن تكون ضمن لوائح موحدة أو موزعة على عدة لوائح بسبب الخلافات فيما بينها، حيث من المحتمل أن تكون هناك شخصيات متحالفة مع الأحزاب الأساسية: "القوات"، "التيار"، الكتائب"، بالإضافة إلى أخرى تذهب إلى تشكيل لوائحها الخاصة.

بالنسبة إلى الدوائر ذات الطابع السنّي، تشير هذه المصادر إلى أن المعركة الأساس لن تكون بين تيار "المستقبل" والقوى والشخصيات التي كانت تدور في فلك قوى الثامن من آذار، كما كان عليه الواقع طوال السنوات الماضية، بل بين "المستقبل" ورجل الأعمال ​بهاء الدين الحريري​، الطامح إلى خوض المعركة بوجه شقيقه، انطلاقاً من رفعه الشعارات التي تتماهى مع مطالب المجتمع المدني، ك​محاربة الفساد​ والتغيير، بينما رئيس الحكومة السابق سيسعى إلى إثبات أنه لا يزال الزعيم السنّي الأول.

في ما يتعلق بالدوائر ذات الطابع الشيعي، توضح المصادر نفسها أنّ الأمور لا تزال على حالها، بالنسبة إلى التحالف بين "حزب الله" و"حركة أمل"، لكن التحوّل قد يكون من خلال تبدّل بعض الأسماء، بينما في الساحة الدرزيّة فإن التبدلات قد تقوم إلى تفاهم بين القوى الفاعلة، لتفادي أي مواجهة، خصوصاً بعد الذي حصل بين "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" و"الحزب الديمقراطي اللبناني" بعد انتخابات 2018.

في المحصّلة، ليس هناك من تكتّلات كبرى تسعى إلى الفوز بالأكثرية النيابية في الإنتخابات المقبلة، كما كان عليه الواقع في الإستحقاقات السابقة، بل سعي كل فريق إلى لملمة وضعه، على قاعدة أنّ الأكثرية، في ظلّ ​النظام اللبناني​، لا معنى لها، لأنّ الرابح مضطر للتفاوض والتفاهم مع باقي الأفرقاء.