منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام ٢٠١٩، كان "حزب الله" ينظر إلى كل ما يحصل في البلاد على أساس أنه حرب تخوضها الولايات المتحدة ضده، بالرغم من أنه لم ينفِ في أي مرة مسؤولية الفساد عن تفاقم الأمور، إلا أنه فضل التعامل مع هذه الحرب على قاعدة تفكيك "الألغام"، لا سيما من خلال دعوة أنصاره إلى الصبر والتحمل.

بالتزامن، كان الحزب قد أعلن، على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله، أنه لن يسمح بأن تقود هذه الحرب إلى تجويع الشعب اللبناني، حيث تحدث حينها عن معادلة لديه لم يكشف عن تفاصيلها.

ضمن هذا السياق، يجب قراءة الإعلان عن وصول أول باخرة نفط ​إيران​ية إلى لبنان خلال ساعات، بعد أن كانت أزمة المحروقات في لبنان قد وصلت إلى حدود خطيرة، باتت تهدد المؤسسات الصحية والغذائية بشكل أساسي، بالإضافة إلى احتمال أن تكون بوابة فوضى اجتماعية واسعة النطاق.

تلك الفوضى، بما تعنيه من احتمال الانتقال إلى أحداث أمنية أو فتن طائفية ومذهبية، هي من بين الخطوط الحمراء عند الحزب أيضاً، وهو سعى إلى منع الوصول اليها في تعامله مع ٣ أحداث أساسية في الفترة الماضية: خلدة، شويا، الاشتباك السياسي مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.

طوال الفترة الماضية، كان حديث "حزب الله" عن النفط الإيراني يأتي في سياق دعوة الدولة اللبنانية إلى القيام بواجباتها، سواء من خلال العمل على معالجة الأزمة أو عبر تولي التفاوض مع طهران، كي لا يتم تجاوزها، إلا أن أياً من المسؤولين لم يبادر إلى القيام بأي خطوات عملية، لا بل ان التداعيات كانت تتفاقم، يوماً بعد آخر، الأمر الذي مهّد الطريق إلى بدء الحزب المفاوضات المباشرة مع الجانب الإيراني.

في هذا الإطار، هناك نقطة مفصلية لا ينبغي تجاهل دورها في تسريع الخطوات العملية، تتمثل بقرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رفع الدعم عن المحروقات، بما يعني هذا القرار من تداعيات واشارات، حيث اعتبر من وجهة نظر الكثيرين بأنه قرار أميركي بالذهاب الى التصعيد، الأمر الذي يفتح الباب إلى الرد بخطوات مقابلة من المستوى نفسه.

انطلاقاً من ذلك، يمكن فهم المعادلة التي وضعها السيد نصر الله، عند إعلانه عن الباخرة الأولى، حيث أشار، في رسالة إلى الجانبين الأميركي والإسرائيلي، إلى أن الحزب يعتبرها أراض لبنانية منذ لحظة انطلاقها، أي أنه سيردّ على أي اعتداء قد يطالها من قبلهما، وفق قواعد الاشتباك المعروفة بالنسبة إلى الاعتداءات التي قد تطال الأراضي اللبنانية.

من يراقب الحراك الأميركي، في الأيام الماضية، يدرك جيداً أن واشنطن ليست راضية عن هذه الخطوة، لا بل سعت بالعمل لمنع تنفيذها تحت طائلة التهديد بالمزيد من العقوبات، لكن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه يتعلق بما إذا كانت ستسكت عن المعادلة الجديدة التي فرضها "حزب الله"، أي استيراد المحروقات مباشرة من إيران، بهدف كسر أحد أبرز أوراق الضغط التي كانت تستخدمها في الأشهر الماضية.

في حال قررت واشنطن الذهاب إلى الردّ على هذه الخطوة بتصعيد مقابل، حتى ولو لم يكن على شكل استهداف الباخرة كي لا تفتح الباب أمام رد مباشر من جانب الحزب، فإن ذلك سيظهر مباشرة في مفاوضات تشكيل الحكومة العتيدة، حيث لن يكون من السهل تصور موافقة رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي على تشكيل حكومة تكون في مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة، بينما هو يضع على رأس قائمة أولوياته معالجة المشاكل التي تعتري علاقات لبنان مع المجتمع الدولي.

في المحصلة، خلال ساعات ستظهر التداعيات المحتملة لهذه الخطوة من جانب "حزب الله"، إلا أن التعليق الأول من جانب قناة "الحدث" السعودية، التي وصفت الأمر بـ"اعلان الحرب"، بالإضافة إلى المواقف التي صدرت عن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، لا يوحي بأنها ستمر مرور الكرام.