منذ مرحلة تكليف رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ تشكيل الحكومة، قبل أن يقدم اعتذاره وصولاً إلى تسمية رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، برز الدور ال​مصر​ي على الساحة اللبنانية، لا سيما من خلال الزيارات التي كان يقوم بها الحريري إلى القاهرة، لإستطلاع الأجواء الدولية والإقليمية.

في هذا الإطار، من الضروري التذكير بأن إعتذار رئيس "تيار المستقبل" جاء بعد لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأمر الذي يؤكد على محورية هذا الدور، في المرحلة الحالية، في ظل غياب الدور السعودي، نظراً إلى موقف الرياض الذي يقترب من اللامبالاة بالأوضاع اللبنانية.

في هذا السياق، لا ينبغي تجاهل الدور الذي كان يقوم به وزير الخارجية المصرية سامح شكري أو السفير في لبنان ياسرعلوي، حيث كانت القاهرة أيضاً من أبرز الجهات الداعمة لمبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري. إلا أن الأبرز، في الفترة الراهنة، هو أن مفتاح معالجة أزمة الكهرباء في لبنان يكمن بالغاز المصري، بعد أن كانت السفيرة الأميركية في ​بيروت​ ​دوروثي شيا​ قد فتحت هذا الباب، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة عبر "النشرة".

هذا الواقع كان قد بدأ منذ ما قبل الرسالة التي أبلغتها شيا إلى رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، حيث تكشف المصادر نفسها أن الإتصالات مع الجانب المصري كان قد بدأت قبل ذلك، وتؤكد أن الحريري نفسه لم يكن بعيداً عن هذه الأجواء قبل إعتذاره، من دون تجاهل الدور الأردني، نظراً إلى أن الملك عبدالله الثاني هو صاحب مبادرة فتح القنوات الإقتصادية مع سوريا.

وتشير هذه المصادر إلى أن الجانب المصري يملك القدرة على لعب دور بارز على هذا الصعيد، نظراً إلى أن القاهرة، منذ تولي السيسي مقاليد السلطة في بلاده، كان لديه موقفاً متميزاً من الأحداث السورية، حيث قنوات التواصل بين دمشق والقاهرة لم تنقطع، لا بل كان هناك تعاوناً بين الجانبين في أكثر من ملف، خصوصاً على مستوى التنسيق الأمني.

من وجهة نظر المصادر المتابعة، نجاح مشروع نقل الغاز المصري إلى سوريا ولبنان من المفترض أن يعزز دور القاهرة في البلدين، الأمر الذي تؤكد أن السيسي يطمح إليه لاستعادة دور بلاده الإقليمي، في تكرار لما يحصل مع الجانب الفرنسي، أي أن القاهرة تريد أن تعوض الغياب السعودي عن هذه الساحة، بالتزامن مع رغبة باريس في إستغلال التراجع الأميركي على مستوى المنطقة.

وفي حين تشير المصادر نفسها إلى تنسيق في الخطوات بين القاهرة وباريس، ترى أن نجاح الجانب المصري في لعب دور كبير على الساحة اللبنانية يملك الكثير من أوراق القوة، التي تبدأ من أهمية الدور الإقتصادي، بالنسبة إلى بيروت في المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى غياب اللاعب الإقليمي الفاعل في الساحة السنية، نظراً إلى أن الدور التركي لم يصل إلى المستوى الذي يمكن أن يحقق خرقاً كبيراً.

بالتزامن، تلفت هذه المصادر إلى أن مصر تملك القدرة على التواصل مع مروحة واسعة من الأفرقاء اللبنانيين، الأمر الذي يعزز من فرص نجاحها في لعب أكثر من دور على هذه الساحة، لكنها تشير إلى أن هذا الأمر يتطلب الشجاعة منها بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى التركيز على الملفات الإقتصادية التي تبعدها عن دائرة تلك السياسية الخلافيّة، التي من الممكن أن تشكل حقل ألغام بالنسبة لها.

في المحصلة، لدى القاهرة العديد من أوراق القوة التي تسمح لها بلعب دور بارز لبنانيا، خصوصاً في ظل الغياب السعودي الواضح، الأمر الذي من المفترض أن يتظهّر بشكل أكبر في المرحلة المقبلة، لا سيما على الساحة السنّية التي تفتقد الراعي الإقليمي لها، مع العلم أن الدور المصري كان في الماضي هو الطاغي، قبل تراجعه أمام السعودي مع توقيع إتفاق الطائف.