بعد طول انتظار، اعلنها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ان القاضي طارق البيطار لا يجب ان يبقى المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت. هذا الاعلان الواضح والصريح، أتى بعد بلبلة سادت في الآونة الاخيرة حول "تهديد" وصل الى البيطار من قبل الحزب وتحديداً من قبل الحاج وفيق صفا، ما ادى الى انقسام بين اللبنانيين حول وجوب بقاء البيطار أم إابعاده عن الملف، وحول مدى نزاهته واستقلاليته او اعتماده على السياسة لبتّ القضية على هذه الخلفيّة. من الطبيعي ألاّ يكون كلام نصر الله كغيره من المسؤولين، فالرجل يتمتّع بحيثية شعبيّة مهمّة، ولكن المسألة دقيقة جداً وباتت تتخطّى بأهميّتها الحدود اللبنانيّة، وعليه من المهمّ التعامل معها بدقّة وحرفيّة لأنّها من الممكن ان تؤدي بالبلد الى "مشكلة كبيرة".

ولكن الاساس الذي يمكن الانطلاق منه والبناء عليه، بغضّ النظر عن الانقسام الحاصل في لبنان حول الملف، انه لن يصل الى النتيجة المتوخّاة، كغيرها من القضايا الكبيرة التي شهدها لبنان على مرّ تاريخه، حتى مع التدّخل الدولي الحاسم (على غرار المحكمة الدوليّة في قضية اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري)، واقصى ما يمكن الوصول اليه هو "تسوية" يقبل بها الجميع، قد تضع عدداً من الاشخاص في قفص الاتّهام من دون القدرة على اصدار احكام نهائيّة. اما مسار الامور حتى ذلك الحين، فقد تغيّر الوضع بشكل جذري، لأنّه بعد كلام نصر الله، بات من الواضح ان بقاء البيطار في موقعه أصبح على المحكّ، ولا يمكن تمييعه او المماطلة بمصيره، فإمّا أن يبقى وإما أن يرحل.

بقاء البيطار يعني حكماً مواجهة سياسية وعملية مع حزب الله ومع شريحة من اللبنانيين الذين سيمنعون بالطرق القانونيّة والشعبيّة، تطبيق أي قرار او مذكرة صادرة عن المحقّق العدلي، وهم قادرون على ذلك، علماً ان المواجهات ستعني حكماً تدهور الوضع في لبنان الى حالة المواجهات الامنيّة، التي لا قدرة لاحد على التعامل معها او تحمّلها، وبالتالي قد تنجح في وضع حدّ لكل هذه المسألة خصوصاً من الناحية القضائيّة، لانّ أيّ قرار سيصدر عن محكمة او قاضٍ في هذا المجال بحق أيّ شخصيّة، سيعني حكماً تدابير اكثر قساوة عليه في الداخل والخارج، عدا عن التداعيات على فريقه السياسي، في ظلّ ظروف دقيقة اهمها التحضير للانتخابات النيابية التي ارتفعت حمى منافساتها الى اقصاها. اضافة الى ذلك، فإن بقاء البيطار سيعني ايضاً اعترافاً بصحّة المسار الّذي يتبعه، واحراجاً لكل الذين عارضوه على مختلف انتماءاتهم السّياسية والطائفيّة، وستجعل منه شخصيّة رئيسيّة في الحياة اللبنانيّة خلال الفترة المقبلة، ومرشحاً فوق الطبيعة لدخول الحياة العامة اما من خلال السلك القضائي او السلك السياسي.

وفي حال تمّ اعتماد الحلّ الآخر أيّ كف يد البيطار عن الملف وابتعاده، فهو لن يخفّف من الهالة التي اكتسبها، وسيظهر على أنّه الوحيد الذي استطاع الوقوف في وجه الطبقة السياسية، وإنّ قرار ابعاده كان سياسياً وليس قضائياً (حتى ولو صدر عن جهة قضائيّة)، لكنه سيعني حكماً اتّخاذ مسار آخر لملف الانفجار، وتحديد معايير مغايرة تماماً لتلك التي كان حدّدها طوال فترة تسلّمه القضيّة، ومن المتوقّع عندها ان يوضع الملفّ في "ثلاجة" الاجراءات الاداريّة والقانونيّة التي لن تنتهي قبل موعد الانتخابات النّيابية، ولن تذوب معالمها بعد اجراء هذا الاستحقاق الانتخابي، أيّ أنّ الملف سيجد نفسه في دهاليز ومتاهات طويلة ومعقدة، فيما ينتظر ان تبدأ ورشة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد الانتخابات مباشرة، مع كل ما يعنيه ذلك من اهتمام وتحويل الانظار الى الاجراءات والتدابير التي سيتم اتخاذها لاعادة الحياة الى لبنان الميت.

وصلت قضيّة انفجار المرفأ الى نقطة محوريّة، فماذا يكون الخيار ومتى التنفيذ؟.