كعادتهم، قرّر الزعماء السياسيون في لبنان نقل معاركهم وخلافاتهم السياسية إلى الشارع، حيث يكون المواطنون وقوداً لها من أجل تحقيق مصالحهم الخاصّة، غير آبهين بالتداعيات التي تترتب على ذلك، خصوصاً بالنسبة إلى سقوط ضحايا وجرحى.

ما حصل في منطقة الطيّونة يدفع إلى طرح مجموعة من الأسئلة حول ما يريده هؤلاء الزعماء، جميعهم دون إستثناء، بعد كل ما حصل في البلاد على مدى العامين الماضيين، فهل لم يعد يكفيهم قتل المواطنين جوعاً، بعد الإنهيار الذي تسبب به فسادهم وسرقاتهم على مدى سنوات طويلة، فبات المطلوب أن يقتلوا بالرصاص والقذائف الصاروخيّة؟ هل كان أولاد هؤلاء الزعماء من المحاصرين في مدارسهم، لحظة إندلاع المعارك، أو كانوا في الشارع يبحثون عن أيّ مكان يحميهم من الرصاص؟.

بالإضافة إلى ذلك، من الضروري السؤال عن الأسباب التي حالت دون انعقاد جلسة مجلس الوزراء، بالأمس أو اليوم، لمعالجة البنود الخلافيّة، بدل نقل المواجهة إلى الشارع، حيث الجميع يريد إستعراض قوّته لفرض إرادته السّياسية، وكأنّ القرارات تُتّخذ في الشارع لا على طاولة مجلس الوزراء، أو من خلال البنادق وقاذفة الصواريخ.

على مدى الأيام الماضية، كان من الواضح أنّ التحريض، الذي يقوم بها هؤلاء الزعماء وأزلامهم، سيقود إلى ما حصل، وبالتالي الحدّ الأدنى من المسؤولية كان يفرض عليهم التنبّه إلى ذلك، بدل الإستمرار في عمليّات التحريض التي تتولاّها جيوشهم الإلكترونيّة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، لكن مصالحهم في مكان آخر، حيث الرغبة في تحقيق المزيد من النقاط على حساب بعضهم البعض.

وبالتالي، المشهد الذي حصل كان متوقعاً، الشارع مقابل الشارع الذي كان يهدّد فيه هؤلاء، بالإضافة إلى السيناريوهات المفتوحة التي تحدثوا عنها، لكن الأخطر هو أنّهم، رغم سقوط عددٍ كبير من الضحايا والجرحى، لم يتّعظوا، لا بل مستمرون في التحريض الذي يمارسونه من قصورهم، في حين أن المواطنين هم من يدفع الثمن.

من حيث المبدأ، بعد تشكيل الحكومة كان من المفترض أن تنكبّ القوى السّياسية، سواء تلك المشاركة في الحكومة أو التي إختارت أن تكون في الموقع المعارض، على البحث في الخطط والمشاريع التي من الممكن أن تساعد على إنقاذ ما تبقى من الإقتصاد الوطني، لمساعدة المواطنين على الاستمرار في ظلّ الأوضاع الاجتماعيّة الّتي لم تعد تحتمل، لكن ما حصل عملياً هو ما ترجمته أحداث الطيونة، أيّ الإستمرار في لعبة الفتنة والتحريض.

ما حصل عملياً يؤكد بما لا يقبل الشك أنّ اللبنانيين هم عملياً مخطوفون من قبل عصابات مسلّحة، لا يهمّها إلا تحقيق مصالحها حتى ولو قاد ذلك إلى قتل جميع المخطوفين دون إستثناء، نظراً إلى أنّ هؤلاء، بالنسبة لهم، ليسوا إلا أرقاماً يساومون عليها متى تأتي اللحظة المناسبة للتوقيع على تسوية، وعندها لن يكون ثمن الضحايا أو القتلى إلا فنجان قهوة في المصالحة، التي ستتخلّلها خطابات الحرص على السلم الأهلي، في مسرحيّة تظهرهم بأنهم أبطال في وقت أن المسؤولين عمّا حصل هم مجموعة من "المجهولين" الّذين من المفترض محاسبتهم وإنزال أقصى العقوبات بهم.