من الصعب ان يفهم احد بطريقة واضحة وسريعة ما يحصل في المنطقة حالياً، وخصوصاً على صعيد دول الخليج. هو الخليج نفسه الذي تضاربت تسمياته وفق المصطلح، بين من يطلق عليه تسمية "الخليج العربي" لتأكيد انتمائه الى العرب، ومن يطلق عليه تسمية "الخليج الفارسي" لضمان حصة ايران في المشاركة في النفوذ. اليوم، يصحّ تسميته بـ"الخليج الضائع" بفعل الضياع الكلّي الذي يصيب قرارات دول الخليج، وهو مردّه الى تراجع الدور الاميركي الذي ترك قيادات هذه الدول "لمصيرها" مع تحديد سقف لا يمكن تخطيه. من هذا المنظار، تجدر مقاربة المواقف الصادرة عن دول الخليج بالاخص السعودية والامارات، وتحديداً بعد الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الاماراتي الى دمشق التي اعتبرها الكثيرون باب العودة الفعلية لسوريا الى الحضن العربي بعد عقد من القطيعة.

هذه الخطوة، تحمل دلالات كثيرة، ومنها انها اتت من الامارات تحديداً وهي الدولة التي تشق طريقها الى الاستقلالية في القرارات عن الشقيق الاكبر اي السعودية، وهو ما ظهر في اكثر من مناسبة ومكان، مع الاخذ في الاعتبار انها وقّعت اتفاقاً مع اسرائيل. ولكن، هذا لا يعني ان التنسيق السعودي-الاماراتي غائب، فهو حاضر انما في مواضيع محدّدة، وبالتالي ان هذه الخطوة لا يمكن التفكير انها اتت من دون وضع السعودية في اجوائها، اي انها بمعنى آخر لم تفاجئ القيادة في الرياض. هذا الانفتاح على سوريا، غير مباغت حتماً ولكنه يتعارض تماماً مع ما قيل ويقال في العلن من قبل دول الخليج عن سوريا ورئيسها بشار الاسد، واتى هذا الانفتاح ليضرب عرض الحائط بهذا الكلام.

وفي مقابل هذا الانفتاح، تزداد بوادر التضييق الخليجي على لبنان من البوابة السعودية، وبعلم الامارات وغيرها من دول الخليج بطبيعة الحال، فما الذي يحصل؟ هل هناك نوع من الرهان على ان الضغط في لبنان لن ينعكس على سوريا، مع العلم ان والتجارب على مرّ التاريخ اثبتت ان الاحداث التي يشهدها اي بلد منهما تنعكس على الآخر، مع التشديد على ان سوريا في السابق كانت غيرها اليوم. وبالتالي، فإن الرهان على ما يبدو يكمن في ان إرادة الدول الخارجية الكبرى في عدم نشر الفوضى في لبنان، قابله "تجربة" عربية وخصوصاً خليجيّة، في الانفتاح على سوريا ومحاولة ضمّها الى العرب مجدداً، لضمان ابقاء بعض النفوذ في ظلّ التمدد التركي غير المسبوق في المنطقة، اثر التراجع الاميركي الكبير.

ويرى الخليجيون أنّ كبح جماح تركيا قد يكون عبر اعادة استمالة سوريا والانفتاح عليها، بعد ان خسروا الرهان على احداث تغييرات فيها، بفعل التدخل الروسي والايراني الفاعلين وتراجع النشاط الاميركي بشكل حاسم. ولكن ما لا يمكن فهمه، هو هل ان السعوديين مستعدون لاخلاء الساحة اللبنانية للاتراك الذين يعملون على اجتذاب السنّة اليهم، ولعب دور البديل عن السعوديّة لتأمين الغطاء اللازم للشريحة السنيّة في لبنان؟ ليس هناك من مؤشر الى مثل هذا الاستعداد السعودي، بل على العكس، فإن احدى اقوى اوراق الرياض في المنطقة هي ما تملكه من نفوذ في بيروت، وبالتالي يبدو ان القيادة السعودية دخلت رهاناً سياسياً ودبلوماسياً وتنتظر نتيجته، فإمّا ان يصيب وإما ان يخيب، مع ادراكها سلفاً ان جزءاً مهماً من صورتها ونفوذها على المحك، وان دولاً كثيرة تعمل على اخذ دورها في المنطقة، او على الاقل، مشاطرتها هذا النفوذ.

وفي غياب الراعي الاميركي ومظلّته الغائبة عملياً وميدانياً عن الاحداث، يبقى المشهد الخليجي على الساحة العربيّة تحت عنوان واحد هو: الضياع.