كل شيء مقفل، باستثناء طريق الدولار، والمواد الغذائية، والدواء مفتوحة صعوداً، بما يؤشر إلى ان البلاد تجاوزت عتبة الانهيار، ووصلت إلى مرحلة الارتطام الكبير الذي عادة ما يسبق أي ثورة اجتماعية أو فوضى عارمة في الشارع. لا شك ان ما وصل إليه لبنان على كافة الصعد لم يسبق أن وصل إليه حتى في أحلك الظروف الأمنية الداخلية والاجتياحات الاسرائيلية، حيث ان كل المعطيات تدل على ان هذا البلد ذاهب في اتجاه المزيد من التأزم، في ظل الاقفال المطلق على أية تسوية محتملة أو مخرج ملائم للمشاكل الموجودة، وقد انكفأت القوى السياسية عن ابتداع المعالجات في اتجاه شد العصب الطائفي بما يخدم مصالحهم عشية الولوج للتحضير للانتخابات النيابية إذا قدَّر الله لها أن تحصل في موعدها وهو أمر مستبعد حتى هذه اللحظة.

وعلى الرغم من التحرّك الداخلي والحراك باتجاه الخارج فإن الوضع مكانك راوح، حيث سقطت كل الصيغ والطروحات التي قد تمّ تداولها في الأيام الماضية لإعادة ضخ الحياة في روح مجلس الوزراء وتأمين عودة آمنة لإنعقاده، وكذلك لمعالجة الشأن القضائي الناجم عن مسار التحقيق في جريمة انفجار المرفأ. وقد عكست أوساط متابعة لهذين الملفين مناخات غير صحيحة بعد ان أظهر الأفرقاء المعنيون عدم رغبة في تقديم أي تنازلات من شأنها حلحلة العقد الموجودة والذهاب بتجاه إعادة الأمور الى نصابها.

حبكة المَخرج المناسب للأزمة بين لبنان والخليج تُحاك بعناية فائقة

كما أن هذه الأوساط عكست انطباعات قائمة حيال الشلل الحاصل على الساحة السياسية والذي يُقدَّر له ان يستمر حتى موعد الانتخابات النيابية في ظل انعدام التوصّل إلى حلول تسمح للحكومة بالعودة إلى الالتئام ومقاربة الملفات المفتوحة والتي لم يعد للمواطن اللبناني أي قدرة على تحمل أوزارها.

ووسط هذه العتمة التي تلف الواقع اللبناني من مختلف زواياه، برز بصيص نور وصل من قطر بعد أن أبدى أميرها الاستعداد الكامل لتقديم المساعدة للبنان، وكشفه عن إيفاد وزير خارجيته في أقرب فرصة إلى لبنان للبحث مع المسؤولين اللبنانيين في إمكانية أن تدخل الدوحة وسيطاً بين لبنان ودول الخليج من جهة، وفي السبل الآيلة إلى تقديم ما يلزم للبنان لمساعدته على الخروج من أزماته المتشعبة، غير انه ليس محسوماً ما إذا كانت الوساطة القطرية ستنجح في إعادة المياه إلى مجاريها بين لبنان والمملكة العربية السعودية، أو في إخراج الوضع الحكومي من حلقته المفرغة، حيث ان المسؤولين اللبنانيين استبقوا هذه الزيارة المتوقعة لوزير خارجية قطر بمزيد من التصلب في الرأي وتبادل الاتهام بالتعطيل والمناورات الرامية الى تحصين المواقع.

وأمام هذا المناخ السوداوي هل يذهب الرئيس نجيب ميقاتي إلى الإستقالة بعد ان لقي الطريق مسدوداً أمام رغبته في دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد هذا الأسبوع كما سبق أن أعلنه الأسبوع الفائت؟ تسارع الأوساط السياسية إلى استبعاد ذلك، وهي تكشف عن أن الرئيس ميقاتي أبلغ الرئيس نبيه برّي خلال لقائهما في عين التينة أمس الأول أن لا نية لديه لترك السراي الكبير، وأنه مستمر في القيام بمهام رئاسة الحكومة مهما كانت الظروف، وأنه لن يألوَ جهداً في سبيل الوصول إلى حلول ملائمة للمشاكل الموجودة في أسرع وقت.

ولفتت هذه الاوساط إلى ان طرح التعديل الوزاري منعاً للاحراج لم يسقط من التداول بالكامل، وأنه ما زال من بين الطروحات المتقدمة من أجل تسوية الخلاف مع بعض الدول الخليجية، لا سيما وأن استقالة الوزير جورج قرداحي وحده لم تلقَ قبولاً من أكثر من طرف وأن بكركي جاهرت على لسان سيدها بهذا الموقف، وهو ما يعني أن حبكة المخرج المناسب لهذه الأزمة تحاك بعناية فائقة خصوصاً من أي تعثر يزيد الشرخ الموجود، لكن حتى هذه الساعة لم يحصل أي تقدّم يذكر على هذا الصعيد، وأن صورة المشهد بين لبنان والمملكة العربية السعودية ما تزال سوداوية.

وتلفت الأوساط النظر إلى أن ما هو حاصل بين لبنان والخارج ليس وليد ساعته، بل انه مرتبط بما يحدث على المستويين الإقليمي والدولي، وأن أي تعويل على مساعدة خارجية للبنان قبل جلاء غبار الأزمات في المنطقة ليس في محله، لا سيما وأن أي مساعدة دولية للبنان مرتبطة بحصول متغيرات في الإقليم، على المستوى العلاقات الإيرانية - السعودية، وكذلك بالملف النووي الايراني الذي عاد إلى طاولة التفاوض أمس الأول. وفي حال حصول تقدّم على أي من المسارين، فإن سرعان ما يستفيد لبنان من هذه الانفراجات وتوظـيف ذلك في تأمين الاستقرار السياسي والاجتماعي.

ولفتت إلى ان الساحة الداخلية ستشهد في اليومين المقبلين اتصالات هادئة في محاولة لتنفيذ ما اتفق عليه خلال الخلوة الرئاسية التي عقدت على هامش عيد الاستقلال في قصر بعبدا، من دون الجزم في إمكانية الخروج بنتائج إيجابية لما هو مطروح في وقت قريب.