تحت عنوان عدم "تسليم" البلد إلى المحور السوري-الإيراني، وجّه رئيس "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" ​وليد جنبلاط​ ما قال إنّها "نصيحة" إلى رئيس "تيار المستقبل" ​سعد الحريري​ بالعودة من المهجر، "حتّى نواجه سلميًا ونقاوم سلميًا، ونقول كفى"، مشيرًا إلى أنّه يقدّر ظروفه كما الضغوط التي يتعرّض لها، لكنّه لو كان مكانه، لعاد لأنّ غيابه عن الساحة "لا يفيد".

استند جنبلاط في كلامه "الانتخابيّ" الأول من نوعه إلى ما قال إنّه "تحالف طبيعي وموضوعي وتاريخه" بين "التقدمي الاشتراكي" و"تيار المستقبل"، لكنّه لم يكتفِ بذلك، بل فتح الباب أيضًا أمام تحالفٍ متجدّد آخر مع "القوات اللبنانية"، داعيًا إلى "تعزيزه" في إطار "القيود الخانقة" التي فرضها القانون الانتخابيّ بتقسيماته ودوائره المعقّدة.

بكلامٍ آخر، يبدو أنّ رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" يمهّد لإعادة "الجرّة" إلى تحالف ما كان يُعرَف بـ"14 آذار"، ولو من البوابة الانتخابية فحسب، وهو الذي شكّل ثلاثي "المستقبل" و"المستقبل" و"الاشتراكي" عموده الفقريّ طيلة سنوات، قبل أن "ينفضّ" على وقع "التسويات" التي غيّرت كلّ معادلات البلد في ظلّ ما سُمّي بـ"العهد القوي".

فما حقيقة "المسعى الجنبلاطيّ" المستجدّ؟ وكيف تُقرَأ "نصيحة" بيك المختارة إلى "الشيخ سعد"؟ وهل يمكن أن يتجاوب الأخير، وهو "المعتكف" منذ ولادة ​الحكومة​ عن خوض المعترك العام، والذي تشير العديد من الأوساط إلى أنّه "عازف" عن خوض ​الانتخابات​ المقبلة، في وقتٍ يستمرّ "صمته المعبّر"، رغم كمّ "الإشاعات" التي تُرمى في وجه تيّاره؟.

لا شكّ بدايةً أنّ "نصيحة" جنبلاط لا تأتي من العدم أو من الفراغ، علمًا أنّ كثيرين استذكروا معها آخر "النصائح" التي وجّهها "البيك" إلى الحريري، وتسبّبت بـ"حرد" الأخير منه لبعض الوقت، حين دعاه إلى الاعتذار عن تأليف الحكومة، معلنًا بالفم الملآن ما كان "الشيخ سعد" يرفض المجاهرة به، حتى بينه وبين نفسه، حول أنّ ​السعودية​ لا تريده رئيسًا للحكومة، وأنّها لن "تبارك" أيّ حكومة يرأسها في الوقت الحاليّ.

لم يمرّ وقت طويل يومها حتى تبيّن أنّ جنبلاط كان "مُحِقًّا"، بشكلٍ أو بآخر، فاستسلم الحريري للأمر الواقع، مسلّمًا الراية إلى "شريكه" في نادي رؤساء الحكومات السابقين ​نجيب ميقاتي​، الذي نجح بعد جهود مضنية بتأليف الحكومة، ولو أنّه اصطدم بعد ذلك بالكثير من الأزمات والمطبّات، التي قد تكون "القطيعة الخليجية" أكثرها خطورة، لكنّ "أزمتها الداخلية" تبقى بلا شكّ أكثر صورها "فقاعة"، وربما "هشاشة" في الوقت نفسه.

من هنا، يُعتقَد أنّ على الحريري أخذ "نصيحة" جنبلاط على "محمل الجد"، بعيدًا عن "الحكم على النيّات"، الذي قد يصيب وقد يخطئ، علمًا أنّ كلّ المؤشّرات توحي بأنّ رئيس تيار "المستقبل" يعيش حالة "إرباك" حقيقيّ، فهو حتى الآن لم يحسم أمر خوضه الانتخابات المقبلة، ولا يزال يحاول "جسّ النبض" لبتّ أمر عودته إلى لبنان، وقيادته "الحملات الانتخابية" لفريقه السياسية، أم تركه "يدبّر رأسه"، كما يُقال في بعض الأوساط.

وإذا كان بعض قياديّي "المستقبل" يؤكدون أنّ الحريري "راجع" في غضون شهر على الأكثر، فيما يرهن بعض آخر هذه العودة بصدور "مرسوم" دعوة ​الهيئات الناخبة​، باعتبار أنّ الحريري لن يقدم على أيّ خطوة، قبل "حسم" مصير الانتخابات، وما إذا كانت ستجرى أساسًا، بالنظر إلى "الكباش" المتوقع على موعدها، فإنّ الثابت حتّى الساعة أنّه "غير جاهز" للمعركة، التي يرى أنّ "خسائرها" تفوق كلّ "المكاسب" المحتملة منها.

من هنا، جاءت "نصيحة" جنبلاط للحريري، بحسب ما يقول العارفون بأدبيّات "البيك"، خصوصًا أنّ الأخير يتوجّس من "البدائل" التي يمكن أن يحوّلها غياب الحريري عن الساحة إلى "أمر واقع"، فضلاً عن اعتقاده بأنّ "المواجهة الانتخابية" التي اختارها لنفسه، في الصفّ المناهض والمناوئ لـ"حزب الله"، تتطلب منه "استنهاض الهمم"، واسترجاع مرحلة "14 آذار"، وما أحاط بها من ظروف أتاحت للثلاثيّ حصد "الأكثرية".

وإذا كان جنبلاط يعتقد أنّ تحالفًا ثلاثيًا يجمعه مع الحريري ورئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​، وحده قادر على "انتزاع" الأكثرية من المحور السوري الإيراني، فإنّه يدرك أنّ هذا التحالف قد يكون الطريق الوحيدة لتصحيح "الشوائب" التي ارتأت علاقته والحريري من جهة، بدول الخليج وعلى رأسها السعودية من جهة ثانية، ولذلك يأتي إصراره على أن يكون حزب "القوات" جزءًا من هذا التحالف، رغم كلّ "التباعد" الذي سُجّل بين الأطراف الثلاثة في السنوات الأخيرة.

فإذا كان صحيحًا أنّ جنبلاط يحتاج إلى "رافعة مسيحية" في الجبل، وأنّه لا يستطيع خوض المعركة بقوة من دون التحالف مع "التيار الوطني الحر" أو "القوات اللبنانية"، بفعل تعقيدات القانون الانتخابي الساري، فإنّ الأصحّ أنّه ينظر إلى جعجع على أنّه منفذ "الأجندة السعودية" في الانتخابات، وبالتالي فإنّ التحالف الانتخابي معه من شأنه أن "يرضي" المملكة، وبالتالي يكون "محطة عبور" لاستعادة "التواصل" بالحد الأدنى مع القيادة السعودية.

هكذا، يبدو أنّ جنبلاط رسم "خريطة طريقه" إلى الانتخابات المقبلة، خريطة تنطلق من "المواجهة" مع المحور السوري الإيراني، وتمرّ من خلال التحالف "التاريخي" مع "المستقبل" والطبيعي مع "القوات"، بما يقطع الطرق على كلّ "الطامحين الجدد"، إلا أنها تبقى "مرهونة" بأمرين، أولهما تجاوب الحريري الذي لا يبدو "محسومًا" بعد، وثانيهما "تثبيت" موعد الانتخابات، التي يعتقدون كثيرون أنها لا تزال في دائرة "الخطر"!.