يوم أمس، أنهى وزير الإعلام السابق ​جورج قرداحي​ الحلقة الأخيرة من مسلسل إستقالته، الذي كان قد بدأ منذ اللحظة الأولى لبث الحلقة التي تتضمن مواقفه، التي اعتبرت ​المملكة العربية السعودية​ أنها مسيئة لها، بعد أن كان في البداية يرفض الإقدام على هذه الخطوة، من دون الحصول على ضمانات بأنها ستقود إلى معالجة الأزمة.

هذه الأزمة من المفترض أن تُطرح حولها الكثير من علامات الإستفهام في مرحلة لاحقة، نظراً إلى أن تصريحات قرداحي لم تكن السبب الأساسي لها، خصوصاً أن ما عبر عنه من مواقف لم يخرج عن الإطار المألوف، لا بل كان قد سبقه إليها العديد من المسؤولين الدوليين، وهو حين أطلقها لم يكن مسؤولاً رسمياً.

بداية المراجعة، من المفترض أن تكون حول حقّ أي دولة في أن تفرض على ​لبنان​ إستقالة أي وزير، بغض النظر عن الوزير أو الدولة، نظراً إلى أن مواقفه لم تعجبها، خصوصاً أن الإنقسام الداخلي اللبناني حول معظم القضايا الإقليمية والدولية من الممكن أن يقود إلى تكرار هذا الأمر في أي لحظة.

أبعد من ذلك، في الأزمة الحالية من المفترض الإشارة إلى أن وزير الإعلام السابق، الذي اعتبر أنه لم يرتكب أي خطأ يستحق عليه هذا "العقاب"، وجد نفسه أمام حملة واسعة من الضغوط من قبل أغلب المسؤولين اللبنانيين، الذين رأوا أن إستقالته هي المدخل لمعالجة الأزمة مع السعودية، التي كانت في المناسبة تؤكد أن المسألة أبعد من ذلك.

في المقابل، كان القسم الآخر من المسؤولين يضع هذه الإستقالة على طاولة المساومات، أي يطلب الثمن مقابلها أو يريد أن تكون من ضمن سلّة متكاملة تشمل التحقيقات في إنفجار مرفأ بيروت، وبالتالي كان قرار الإستقالة محسوماً لكن التوقيت لم يكن قد حدد، نظراً إلى قناعة الغالبية العظمى بأن الأمور لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه من دونها.

منذ أكثر من اسبوع، كشفت "النشرة" عن طلب فرنسي من المسؤولين اللبنانيين أن يتم بيع باريس هذه الورقة، نظراً إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان يتحضر لجولة خليجية، يريد أن يطرح خلالها الملف اللبناني مع المسؤولين السعوديين، وهو ما حصل فعلاً، أول من أمس، عندما تمّ الإتفاق النهائي على أن تقدّم هذه الورقة، خصوصاً أن فرنسا تصنف على أساس أنها االراعي لرسمي لحكومة نجيب ميقاتي الثالثة.

من حيث المبدأ، من المستبعد أن تنهي ورقة الإستقالة الأزمة مع الرياض، نظراً إلى أنها كانت قد ذهبت بعيداً في مواقفها، لا بل هي تعتبر أن المشكلة في الموقف اللبناني الرسمي، حيث المطلوب الذهاب إلى خطوات ضدّ "حزب الله"، وهنا من المفيد التذكير بأن الإجراء الأول الذي ذهبت إليه كان قبل إنتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون، عندما أعلنت، في شهر شباط من العام 2016، وقف المساعدات التي كانت مقررة للجيش لشراء أسلحة فرنسيّة، بسبب "المواقف اللبنانية المناهضة" لها في أزمتها مع إيران.

ما تقدم، من المفترض أن يدفع إلى السؤال عن الموقف اللبناني فيما لو كانت تقود هذه الإستقالة إلى معالجة الأزمة، خصوصاً أنها ستمثل سابقة جديدة في العلاقات بين الدول، قد تكون مقدّمة نحو طلب دول أخرى، في المستقبل، إستقالة وزراء لبنانيين آخرين بسبب مواقفهم، سواء كانت قبل تولّيهم مناصبهم أو بعد ذلك، لا سيما أن سياسة تقديم التنازلات من دون مقابل قد تدفع الرياض إلى طلب المزيد.

في المحصّلة، بين الضغوط والمساومات قدّم قرداحي إستقالته من منصبه لماكرون فقط، الأمر الذي يفتح الباب أمام مرحلة جديدة، تبدأ من السؤال عن إمكانيّة تبدّل الموقف السعودي في المستقبل، لتصل إلى مصير مجلس الوزراء، الذي يحتاج إلى ما هو أكبر من ذلك كي يعود إلى الإجتماع من جديد.