لا تكاد تمرّ بضعة أيّام أو أسابيع على الأكثر من الهُدوء السياسي النسبي، حتى تعود الخلافات والتباينات من جديد، مُهدّدة الإستقرار السياسي الداخلي الهشّ أساسًا. والأسبوع الطالع مثال صارخ على المَطبّات المُنتظرة، والتي قد تؤثّر سلبًا على سعي شرائح واسعة من اللبنانيّينلإلتقاط أنفاسهم-إذا جاز التعبير، في ظلّ الصُعوبات الماديّة الكبرى التي تراكمت فوق رؤوسهم! فما هي أبرز هذه المطبّات، وما هي التوقّعات بشأن كلّ منها؟.

أوّلاً: ملفّ التعيينات، في ظلّ قيام "الثنائي الشيعي" برفع الصوت إعتراضًا على ما إعتبره "تهريبة التعيينات" من خارج جدول الأعمال، ومن خارج ما هو مُتفق عليه، علمًا أنّ الردود من المصادر الرئاسيّة على هذا الكلام أكّدت أنّ التعيينات كانت مطلوبة لمنع شلّ عمل كلّ من المجلس العسكري ومجلس الإنماء والإعمار. وتوجد تلميحات إعلاميّة بأنّ المخرج سيكون بإستكمال التعيينات لإرضاء "الثنائي"، من خلال تعيين شخصيّة شيعيّة في منصب نائب مدير عام أمن الدولة خلال الجلسة الوزاريّة المُقبلة، في عودة إلى مبدأ المُحاصصة الذي صار مُعتمدًا بغير خجل في لبنان! وبحسب التوقّعات، إنّ إعتراض "الثنائي" لن يبلغ مرحلة مُقاطعة الجلسات، وشلّ عمل الحُكومة من جديد، خاصة وأنّ وزير المال يوسف خليل المَحسوب على "الثنائي"، قادر على عدم توقيع أيّ مرسوم، وبالتالي على تجميده، حتى تنجح الإتصالات المُرتقب أن تنشط على أكثر من خطّ في الأيّام المُقبلة، لإيجاد تسوية مقبولة لملف التعيينات.

ثانيًا: ملف المُوازنة، في ظلّ عدم مُوافقة "الثنائي الشيعي" على طريقة إعلان تبنّي مجلس الوزراء لها، بحسب التصاريح المُعلنة، علمًا أنّ هذه الحجّة في الشكل، تُخفي في المضمون مُحاولة واضحة للتنصّل من تحمّل مسؤوليّة الضرائب والرسوم التي تضمّنتها المُوازنة. فهي وحتى لو لم تكن مباشرة، فهي سترتدّ مزيدًا من الإرتفاع لأسعار العديد من السلع والخدمات، الأمر الّذي له إنعكاسات شعبيّة سلبيّة جدًا. وبحسب الوقائع غير القابلة للجدل، إنّ الموازنة أقرّت بعد عقد ثماني جلسات للحُكومة، كان وزراء كلّ من "حزب الله" و"حركة أمل" مُشاركين بفعاليّة في النقاشات خلالها. وبحسب التحاليل، إنّ أسباب الإعتراض مُرتبطة بعدم إغضاب القواعد الشعبيّة المؤيّدة للجهات الحزبيّة المُمثّلة على طاولة مجلس الوزراء. وبحسب التوقّعات، إنّ المُوازنة ستخضع للنقاش في لجنة المال النيابيّة، ومن ثم في الهيئة العامة لمجلس النوّاب، ومن المُنتظر أن تسعى مُختلف الجهات السياسيّة إلى توجيه إنتقادات علنيّة لها، وإلى المُطالبة بتعديل بعض بنودها، في مُحاولة لإمتصاص غضب الناس. وبالتالي سيكون مصيرها مَفتوحًا على كلّ الإحتمالات، بين إسقاطها تحت وقع المُزايدات الشعبويّة والإنتخابيّة، أو إقرارها بحجة ضرورة تسيير المرافق العامة وفق مبدأ "أفضل المُمكن".

ثالثًا: ملف المُعارضين البحرينيّين، حيث أنّه على الرغم من توجيه وزير الداخليّة بسام مولوي، كتابين حاول فيهما منع تنظيم أي إحتفالات أو مهرجانات، تُعرّض علاقات لبنان الخليجيّة للضرر، أصرّ"حزب الله"على تنظيم الحدثين في 14 و15 شباط الحالي، تحت عناوين مُثيرة للجدل، هي: "حق السياسي في ثورة البحرين"، و"البحرين ظلم وظلامة"، الأمر الذي سيكون له إراتدادات سلبيّة كبيرة على المُبادرة الكويتيّة التي وضعت منذ مدّة التصرّفات اللبنانيّة الرسميّة إزاء دول الخليج تحت المجهر. وهذا الأمر قد يقود إلىمزيد من التداعيات السلبيّة على مُستوى علاقات لبنان العربيّة والخليجيّة، وربما إلى إجراءات عقابيّة ضُدّ لبنان في خلال الإجتماع المُقبل لجامعة الدول العربيّة.

رابعًا: ملف الكهرباء، حيث أنّ الخلافات مُستحكمة بالنسبة إلى مسألة إقرار السلفة الماليّة المَطلوبة لتسيير القطاع بالحد الأدنى، في ظلّ إستمرار النزف المالي الهائل الحاصل في هذا الملفّ، في الوقت الذي تُعاني فيه مُختلف المناطق اللبنانيّة من إنقطاع شبه دائم للتيّار الكهربائي، تستغلّه مجموعة "مافيات" مُسيطرة على المُولّدات الخاصة لتحصيل فواتير باهظة جدًا من جيوب المُواطنين. ولا يبدو أنّ الحلول المَطروحة ستتجاوز مُحاولة الترقيع كسبًا لمزيد من الوقت، لا أكثر!.

خامسًا: ملف ترسيم الحدود، في ظلّ المُزايدات السياسيّة المُتصاعدة، والتي بلغت حدّ توجيه إتهامات بعقد صفقات حزبيّة وشخصيّة خلف الكواليس، على حساب مصالح لبنان الإستراتيجيّة. لكنّ وإذا كانت مسألة عدم قبول لبنان بٍأي إقتراح غربي يقضي بتقاسم عائدات أي حقل نفطي أو غازي مع إسرائيل، مَحسومة، فإنّ الأمور الأخرى مفتوحة على كل الإحتمالات، خاصة وأن خيارات لبنان باتت مَحصورة بين المُوافقة على إعتماد الخط 23 بدلاً من الخط 29، ووضع ملفّ إستخراج النفط والغاز على سكّة التنفيذ، أو إستمرار المُراوحة في هذا الملف، مع كل ما يعنيه هذا الأمر من هدر للوقت، ومن تضييع لفرص الكسب المالي في المُستقبل المتوسط.

سادسًا: ملف حاكم مصرف لبنان، حيث يدور خلاف حاد بين من يريد مُحاسبة الحاكم رياض سلامة، وُصولاً إلى إستبداله، ومن يريد الإستمرار في الدفاع عنه في المرحلة الراهنة، وربما حتى إنتهاء ولايته في العام 2023، في ظلّ عجز مالي مخيف لم يشهده لبنان في تاريخه.

في الختام، العالم كلّه يُتابع عن كثب التطوّرات المُتسارعة بين روسيا وأوكرانيا، خاصة وأنّ إندلاع الحرب بينهما يعني تلقائيًا فرض عُقوبات غربيّة قاسية على روسيا، وبالتالي إرتفاع عالمي فوري لأسعار النفط والغاز ولأسعار الكثير من الحبوب. وهذا الأمر–إن حصل، سينعكس مزيدًا من الفقر في لبنان حيث تتواصل المُحاولات لتسجيل بعض النقاط السياسيّة المُتبادلة، كسبًا لصوت إنتخابي هنا أو هناك، بدلاً من تكاتف كلّ الجُهود لوضع خطّة إنقاذ إقتصادي ومالي جدّية، تُخفّف قليلاً مُعاناة الشعب اللبناني الغارق كليًا في مشاكله الحياتيّة والمعيشيّة المُدمّرة!.