ما لم تنتهِ الحرب بين ​روسيا​ و​أوكرانيا​ في القريب العاجل، فإنّ الأزمات العالميّة ستتوالي وستتصاعد، وإرتداداتها السلبيّة ستكون شديدة، خاصة في ​لبنان​ حيث الإنهيار مُتواصل على مُختلف الصعد، وحيث دائرة الفقر والعوز تتوسّع أكثر فأكثر. وبالتالي، وإضافة طبعًا إلى البُعد الإنساني، إنّ مصلحة العالم أجمع، ومصلحة لبنان بشكل خاص، تتمثّل في توقّف الحرب الروسيّة–الأوكرانيّة، اليوم قبل الغد. فهل هذا الأمر مُمكن وفق المُعطيات الحاليّة؟.

بداية، لا بُد من التذكير بأنّ الجانب الروسي كان قد أطلق هذه الحرب بناء على التبريرات التالية:

أوّلاً: الرغبة بحماية سُكان جزيرة القرم التي ضمّتها موسكو، بغضّ النظر عن رفض إعتراف العالم بهذه الخُطوة، والرغبة بحماية سُكان كلّ من جمهوريّتي ​دونيتسك ولوغانسك​ الإنفصاليّتين، وذلك ممن تصفهم موسكو بالنازيّين والفاشيّين الجُدد.

ثانيًا: رفض سعي أوكرانيا للإنضمام إلى حلف "ناتو" (1)، باعتبار أنّ هذه الخُطوة تُهدّد الأمن القومي الروسي، علمُا أنّ الرفض الروسي يشمل أيضًا إنضمام أوكرانيا إلى ​الإتحاد الأوروبي​.

والأهداف المُعلنة من جانب موسكو لهذه الحرب، هي:

أوّلاً: الإعتراف بأنّ شبه جزيرة القرم تُشكّل جزءًا من روسيا.

ثانيًا: الإعتراف بإستقلال كلّ من جمهوريّتي دونيتسك ولوغانسك الإنفصاليّتين.

ثالثًا: تغيير الدُستور الأوكراني لضمان عدم إنضمام أوكرانيا إلى حلف "ناتو" في المستقبل.

رابعًا: قيام حلف "ناتو" بإغلاق كل قواعده العسكريّة وبسحب كل قوّاته من الدول التي إنضمّت إلى التحالف إعتبارًا من العام 1997.

ومن ضُمن الأهداف الروسيّة غير المُعلنة:

أوّلاً: إسقاط الرئيس الأوكراني ​فولوديمير زيلينسكي​ وحكومته، وتشكيل حُكومة موالية لموسكو، كما كان الحال عليه قبل إسقاط الرئيس الأوكراني السابق المُقرّب من موسكو، فيكتور يانوكوفيتش.

ثانيًا: تدمير البنية العسكريّة للجيش الأوكراني بشكل كبير.

ثالثًا: تقسيم أوكرانيا إلى كانتونات عرقيّة مُختلفة، في حال الفشل في الإستحواذ عليها كلّها، وجعلها دولة حياديّة أو موالية لموسكو على غرار ​بيلاروسيا​.

رابعًا: توجيه رسائل عسكريّة مُتشدّدة في أكثر من إتجاه، خاصة نحو الدول الأوروبيّة الشرقيّة لمنعها من الإنجراف أكثر نحو الغرب وحلف "ناتو" ومنعها من تحويل أراضيها إلى قواعد عسكريّة لصالح أميركا والغرب.

خامسًا: إعادة تثبيت روسيا كقطب أساسي في العالم، بعد أن كانت هذه المُعادلة قد سقطت مع إنهيار الإتحاد السوفياتي السابق قبل نحو ثلاثة عقود.

وممّا سبق، من الواضح أنّ أوكرانيا لن تقبل بالأهداف المرسومة من جانب موسكو، ولا الدول الغربيّة في وارد الإنصياع للمطالب الروسيّة، خاصة بعد إستخدام القُوّة العسكريّة لتحقيق هذه الأهداف، إن المُعلنة أو المخفيّة. وعلى الرغم من تنظيم سلسلة من المُحادثات المُباشرة بين وُفود من روسيا وأوكرانيا، لإيجاد حلّ للحرب، فإنّ الفرص في هذا السياق لا تزال ضعيفة، بسبب تشدّد الشروط الروسية، وبسبب تحوّل الصراع إلى عالمي مع مطالب روسية تتجاوز قُدرة أوكرانيا على تنفيذها. وفي هذا السياق، عرضت ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة الحد من كلّ الصواريخ القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى المُحاذية لحدود روسيا، في حين طالبت هذه الأخيرة بأن تشمل أيّ تسوية، القُدرات النووية الأميركيّة خارج حُدود أميركا، والقواعد العسكريّة لحلف "ناتو" في أوروبا. والأكيد أنّ العُقوبات القاسية جدًا ضُدّ روسيا، من جانب كلّ من أميركا وبريطانيا والعديد من دول الإتحاد الأوروبي، لن تُوقف الحرب، بل ستتسبّب بإرتدادات سلبيّة على العالم أجمع، خاصة لجهة إستفحال الغلاء والتضخّم. ومن المعروف عن المنظومة العسكريّة الروسيّة عنادها وعدم تعديلها للخطط الإستراتيجيّة، حتى لوّ تكبّدت خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وهذا ما حصل خلال الحرب السوفياتيّة ضُد أفغانستان(2) على سبيل المثال لا الحصر. وبالتالي، على الرغم من الخسائر التي لحقت ولا تزال تلحق بالجيش الروسي في أوكرانيا حاليًا، لن يتراجع الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ عن اجتياحه لأوكرانيا. وبالتالي، إنّ سيناريوهات إنتهاء الحرب، تُختصر بالتالي:

أوّلاً: نجاح الجيش الروسي في تطويق العاصمة الأوكرانيّة كييف من مُختلف الجهات، ومن ثم إقتحامها بعد فترة زمنيّة، عبر إعتماد سياسة الأرض المحروقة، وقتل أو إعتقال كل أعضاء القيادة الأوكرانيّة الحاكمة حاليًا. لكنّ هذا السيناريو مُكلف جدًا، وقد يطول، وقد لا ينجح في حال جرى تهريب الرئيس زيلينسكي من كييف، وفي حال إستمرّت أعمال المُقاومة والإستنزاف من مُدن ومناطق أخرى في أوكرانيا، بدعم عسكري غربي بالسلاح والعتاد.

ثانيًا: التوصّل إلى تسوية وسطيّة تقضي بإنسحاب الجيش الروسي في مُقابل إعلان حياد أوكرانيا، وتجريد ​الجيش الأوكراني​ من جزء كبير من أسلحته، والحُصول على ضمانات بشأن كل من شبه جزيرة القرم وجمهوريّتي دونيتسك ولوغانسك، وتعديل وضع حلف "ناتو" العسكري في كامل دول أوروبا الشرقيّة. لكنّ هذا الأمر يحتاج لتوافق غربي-روسي يتجاوز ما يُمكن أن تُقدّمه أوكرانيا من تنازلات وحدها. كما أنّه يستوجب إنقلاب موازين القوى العسكريّة لصالح موسكو بشكل كامل. وهذان الشرطان لم يتحقّقا بعد، أقلّه حتى تاريخه.

في الخُلاصة، "السيناريو" الأسوأ يتمثّل بإستمرار الحرب، لأنّ خيار الهزيمة غير وارد لدى القيادة الروسية، مهما تكبّت من خسائر عسكريّة في المعركة، ومن خسائر إقتصاديّة وماليّة من جرّاء العُقوبات. وبالتالي في حال عجز الجيش الروسي عن حسم المعركة، وفي حال إستمرّت أوكرانيا في رفض تقديم تنازلات موجعة، وواصلت مُقاومتها، الحرب ستطول، وإرتداداتها المُدمّرة على العالم ستطول تلقائيًا. ولبنان سيدفع ثمنًا باهظًا يُضاف إلى الأثمان الباهظة التي يدفعها أساسًا منذ سنوات عدّة!.

(1) يضمّ حلف "ناتو" العسكري، والذي يُصنّف نفسه كحلف دفاعي، ثلاثين دولة، منها دول مُحاذية حُدوديًا لروسيا الإتحاديّة، مثل إستونيا ولاتفيا، علمًا أنّ مجموع قوات "الحلف" في هاتين الدولتين يبلغ أقلّ من ثلاثة آلاف عسكري.

(2) إستمرّت هذه الحرب من العام 1979 حتى العام 1988، وتكبّد الجيش الروسي فيها نحو 15000 قتيل وأكثر من 50000 جريح، ناهيك عن خسائر فادحة في العتاد، منها إسقاط 451 طوافة وطائرة حربيّة.