صحيح أنّ الرهانات على ​الإنتخابات​ كبيرة وطموحة جدًا، حيث يُراهن جزء من الشعب ال​لبنان​ي على "ثورة" إنتخابيّة تُطيح بعدد كبير من نوّاب ما يُسمّى"المَنظومة". وصحيح أنّ رهانات الأحزاب والقوى السياسيّة التقليديّة هي في المرصاد لهذه الطُموحات، وهي تُخطّط بدورها للحفاظ على دورها وحُضورها، لبلّ تعزيزه على حساب الأحزاب والقوى الأخرى. لكنّ الأصحّ أنّ الإنتخابات النيابيّة المُقبلة لن تُغيّر شيئًا! وإليكم الأسباب:

أوّلاً: إذا إفترضنا أنّ الأغلبيّة الحاكمة حاليًا إستحوذت مُجدّدًا على أغلبيّة عدديّة في ​المجلس النيابي​، فهذا يعني أنّ الوضع الحالي مُرشّح للإستمرار في المُستقبل القريب والمُتوسّط، في حال تمكّنت القوى السياسيّة الأخرى والجمعيّات المُصنّفة "ثوريّة" من الحُصول على أكثر من ثلث عدد النوّاب، بما يكفل عدم تمرير أيّ خيارات تغييريّة كبرى، على غرار طموحات التوجّه شرقًا للأغلبيّة الحاكمة حاليًا. أمّا في حال تمكّن الأغلبيّة المَذكورة من الإستحواذ على أكثر من ثلثي البرلمان، فستكون الأمور الإستراتيجيّة مُختلفة، والقُدرة على المُعارضة ضعيفة، لكنّ هذا "السيناريو" مُستبعد وفق القراءات الأوّليّة للإنتخابات.

ثانيًا: إذا إفترضنا أنّ القوى التي هي في السُلطة حاليًا، تحوّلت مُجدّدًا إلى أقليّة برلمانيّة، كما كانت الحال عليها في إنتخابات العامين 2005 و2009، فإنّ الأغلبيّة البرلمانيّة المُقبلة المُفترضةلن تكون عندها بيد مجموعة سياسيّة مُتناغمة ومُتماسكة، بل مُوزّعة على جهات سياسيّة تقليديّة غير مُنسجمة في ما بينها، وعلى وجوه جديدة ستدخل البرلمان لأوّل مرّة من باب "المُعارضة" ومن باب وعود التغيير. وعندها لن يكون من السهل على الإطلاق إدارة السُلطة في لبنان بشكل مركزي واضح الأهداف، علمًا أنّ كل التجارب السابقة أثبتت أصلاً رفض قوى محور "المُمانعة" الخروج من السُلطة بشكل كامل، حتى لوّ لم تحصد الأغلبيّة، حيث تُصرّ على أن تكون جزءًا من السُلطة والحكومة عبر صيغة "الثلث زائد واحد"، بغضّ النظر عمّن في الحُكم.

ثالثًا: إذا إفترضنا أنّ الرأي العام اللبناني قلَبَ كلّ المقاييس وصوّت بشكل مُختلف هذه المرّة، علمًا أنّ كل الإحصاءات الأوّليّة تدلّ على أن لا تغيير جذري في توجّهات قسم كبير من الناخبين، فإنّ وُصول مجموعة نيابيّة لا تتمتّع بأي خبرة سياسيّة مهمّة سابقة، يُشكّل "نقطة ضعف" بوجه التركيبة اللبنانيّة المُتعصّبة سياسيًا وطائفيًا ومذهبيًا. وفي كلّ الأحوال، هذا التغيير–إن حصل، لا يعني أنّ نُفوذ الأحزاب الطائفيّة القويّة في لبنان، سيختفي بين ليلة وضُحاها. وبالتالي، لن يكون بقدرة أي جهة الحكم وحدها، من دون دعم جزء من المَنظومة اللبنانيّة التقليديّة.

وكل ما سبق يعني أن لا تغيير مُرتقب في الإنتخابات المُقبلة، علمًا أنّ التوقّعات الأوّلية تتحدّث عن مقاعد كثيرة مَحسُومة من اليوم، وعن معارك على جزء صغير ومحدود من المقاعد في كل دائرة. وبالتالي، التغيير لن يكون إلا جزئيًا، وعبارة عن إنتقال بضعة مقاعد نيابيّة من ضفّة إلى أخرى، وربما عن بروز بعض الوجوه الجديدة على حساب بعض الوجوه التقليديّة.

والإيجابيّة الوحيدة التي يُمكن أن تفرزها الإنتخابات، تتمثّل بإنطلاقة جديدة للسُلطة، مع فترة سماح ستُمنح لها تلقائيًا، الأمر الذي قد يُعطيها بعض الوقت لتحصيل بعض الأموال من المُجتمع الدَولي الذي يشترط إجراء الإنتخابات، ووضع خطة إصلاحيّة قابلة للتنفيذ من قبل سُلطة جديدة مُنتخبة، وذلك للإفراج عن بعض القُروض والمُساعدات. لكن حتى بصيص الأمل الصغير هذا، يُمكن أن يتعثّر في حال الإختلاف على هويّة الرئيس المُقبل، أو في حال ساءت الأوضاع العالميّة أكثر بسبب حرب روسيا–أوكرانيا وما تركته وستتركه من إرتدادات سلبيّة، أو كذلك في حال إنتهت الإنتخابات النيابيّة بنتيجة "التعادل السلبي" بين القوى السياسيّة، بمعنى بقاء الإنقسام شبه المُتوازن، بحيث ستستمر عندها سياسة النكد المُتبادل والمُتمثّل بوضع العصي بدواليب الحلول.

في الخُلاصة، الأجواء الحاليّة سيئة جدًا، والتقديرات المُستقبليّة غير مُطمئنة، ما يعني أنّ على اللبنانيّين الإستعداد لمُواجهة المزيد من الصُعوبات في حياتهم اليوميّة في المُستقبل، ما لم تحدث مفاجآت كبرى في الإنتخابات، علمًا أنّ زمن العجائب قد ولّى!.