غادر السفير السعودي وليد البخاري بيروت، نهاية الأسبوع الماضي، إلى الرياض في زيارة لـ"أخذ قسط من الراحة" بعد انتهاء الانتخابات النيابية، بحسب ما نقلت عنه مصادر مطلعة. لكن معلومات توافرت لـ "الأخبار" أشارت إلى أن "زيارة النقاهة" تأتي بناء على استدعاء من الرياض لـ "التشاور"، وأن السلطات السعودية تدرس احتمال تعيين سفير جديد في العاصمة اللبنانية ربطاً بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي لم تأت على قدر آمال المملكة. وذلك بعد أولى جلسات المجلس، أول من أمس، حيث أن القوات اللبنانية التي احتكرت تقريباً التمويل الانتخابي السعودي لم تكن قادرة على إيصال مرشح إلى موقع أمانة السر في ​مجلس النواب​.

وعلمت "الأخبار" أن لبنانيين على علاقة وثيقة بالسعودية أثاروا مع المسؤولين السعوديين، أخيراً، أداء البخاري إبان الانتخابات، وسألوا عن جدوى "وضع كل البيض السعودي في سلة سمير جعجع"، وعمّا حقّقته هذه ال​سياسة​ "رغم الأموال التي أُنفقت من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، سوى خروج الطائفة السنية ممسوحة من شبعا إلى عكار، ومن عرسال إلى البقاع الغربي".

وبحسب المصادر نفسها، فإن البخاري، لتغطية إخفاق خططه في الانتخابات، كان وراء الحملة المكثفة التي شنتها صحيفة "عكاظ" السعودية أخيراً على الحريري وحمّلت فيها إدارته السياسية مسؤولية تعاظم قوة حزب الله.

مآخذ وانتقادات

ولوحِظ في الساعات الأخيرة انّ الضفة التغييريّة والسياديّة بَدت مُحبطة من خسارة معركتها الأهم، التي حشدت لها منذ لحظة صدور نتائج الانتخابات النيابية. وقد شهدت بالأمس تبادلاً لمآخذ بين أطرافها وانتقادات علنية لسوء التنسيق فيما بينها، وكذلك للأنانية التي حكمت أداء بعض الكتل والنواب، إضافة إلى ما سمّاها تغييريون بصورة علنيّة، السَذاجة التي أبداها بعض النوّاب الجدد أمام معركة كبرى، كلّ ذلك إضافة الى أسباب اخرى، تسبب في إرباكٍ خَلخَل هذه الجبهة وأظهَرها مشتتة غير قادرة على الاجتماع على كلمة وموقف واحد.

اصوات بري

وكشفت معلومات "البناء" بأن "رئيس مجلس النواب نبيه بري نال فقط 4 أصوات من تكتل لبنان القويّ، هم نواب الطاشناق الثلاثة والنائب محمد يحيي".

رئاسة الحكومة

وبحسب معلومات "الاخبار"، فإن رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط يعمل على مزيد من التنسيق مع "الحلفاء" استعداداً للتحديات المقبلة، وأولها تشكيل اللجان النيابية (الثلاثاء المقبل)، ثم تكليف شخصية لتشكيل الحكومة التي سيقع على عاتقها إدارة مرحلة الشغور الرئاسي في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال عون. وهو يسعى إلى استعادة التوازن بعدما أدّى تشظّي قوى "الاعتراض" إلى تسليم مفاتيح مجلس النواب إلى الفريق الآخر. فيما تفيد المعلومات بأن القوات اللبنانية، التي خرجت خاسراً أوّلَ من جلسة أول من أمس، بدأت سريعاً البحث في وضع تصوّر لكيفية إدارة المعركة في جولتها الثانية، وباشرت اتصالات مع قوى "التغيير" لتركيب تحالفات تتيح للطرفين الظفر باللجان النيابية "الدسمة".

أما قوى "التغيير" فلا تزال تلملم تشظّياتها، إذ إن الوئام الذي ظهر على نوابها خلال جلسة الثلاثاء لا يعكس حقيقة مشهدها المأزوم بفعل غياب الرؤية الموحدة وتضارب الخيارات. صحيح أن هؤلاء، غالباً، لا تجربة سياسية عميقة لديهم، وبالتالي لا يمكن حسم الموقف منهم أو الحكم عليهم من خلال تجربة واحدة، غير أن العشب بدأ ينمو سريعاً بينهم، وهو ما بدا من الجلسة الماراثونية لمجموعة النواب الـ 13 عشية استحقاق الثلاثاء.

إذ كانت المنازلة حامية بين فريقين، الأول رأى أن دفة نائب رئيس المجلس تميل إلى النائب غسان سكاف، داعياً إلى استغلال ذلك لتوجيه ضربة إلى مرشح "المنظومة" عبر التنسيق مع قوى "الاعتراض" الأخرى كالقوات والكتائب. فيما رفض الطرف الآخر فتح "أبواب التنسيق" مع معراب من خارج آلية جماعية أو معايير واضحة، ورأى أن حصر الخيارات بين "مرشح المنظومة" و"مرشح مجهول"، يعني "حصرنا بخيارات تفرضها السلطة عملياً". وبعد ساعات طويلة من النقاش، امتدت حتى الفجر، رسا الأمر على رفض الاقتراع لسكاف، قبل أن يتغيّر هذا المزاج يوم الانتخاب، بعدما رأى بعضهم أن هناك إمكانية للتحول إلى بيضة قبان. نقاشات النواب التغييريين تخلّلتها اتّهامات بعضهم لبعض بفتح قنوات تنسيق جانبية مع القوات اللبنانية، وتحديداً للنائب مارك ضو الذي أعلن بعد انتخابه أن لا مشكلة في التنسيق مع القوات، والنائبة بولا يعقوبيان التي تتصرف كـ"قائدة" لـ"قوى التغيير".

الخلافات داخل المجموعة تنسحب على مقاربتها لاستحقاق تسمية رئيس الحكومة المقبلة. فحتى الآن، لا تفاهم بين النواب الأعضاء حول اسم الكتلة الذي سيشاركون تحته في الاستشارات النيابية غير الملزمة في قصر بعبدا. المعضلة هنا ليست في اشتراط رئاسة الجمهورية إيداعها اسم الكتلة وأسماء الأعضاء ليصار إلى توجيه دعوة رسمية لهم، إنما في الخلافات المستحكمة داخل مجموعة التغييريين حول الكتلة وهويتها السياسية ومن يرأسها، وهو ما يفترض أن تجيب عنه اجتماعات مفتوحة ستعقد في الأيام المقبلة. الخلاف على آلية التمثيل ينعكس خلافاً على آلية التنسيق مع قوى "المعارضة" الأخرى.

اللجان النيابية

ووفق هذه المعلومات فإنّ مشاورات مكثفة انطلقت بين هذه الكتل والنواب التغييريين والسياديين، في سبيل تنسيق المواقف، وخوض هذا الاستحقاق بالقدر الأعلى من التنسيق، مع التشديد على التركيز على اللجان الاساسية في المجلس وخصوصاً لجنة المال والموازنة ولجنة الادارة والعدل ولجنة الشؤون الخارجية. ويتزامَن ذلك مع حديث عن مشاورات تجري على الخط المقابل بين كتل نيابية كبرى ومع الحلفاء من النواب المستقلين، لترجمة الفوز الذي تحقق في جلسة الثلاثاء، فوزاً مماثلاً على صعيد اللجان النيابية.

وبحسب معلومات "الجمهورية" فإنه في الوقت الذي تسعى فيه الادارة المجلسية الى اعداد لائحة توافقية فيما بين الكتل والنواب المستقلين، حول تركيبة اللجان النيابية، على غرار ما كان معتمداً في المجالس النيابية السابقة، علم انّ النواب الجدد وخصوصاً رافعو لواء السيادة والتغيير، يرفضون هذا المنحى، ويصرّون على كسر التقليد المتّبع بإعداد لائحة لجان توافقية، والإحتكام الى صندوقة الاقتراع في انتخاب اللجان.

يُشار في هذا السياق الى انّ انتخابات اللجان، في حال قرّ الرّأي على إجرائها بالاقتراع السري على ما جرى في انتخابات هيئة مكتب المجلس، قد تستغرق وقتا طويلا ما قد يتطلّب عقد أكثر من جلسة، لانهاء عملية الاقتراع ومن ثم الفرز واحتساب الفائزين بالعضوية.

تهشيم الفوز

على انّ اللافت في موازاة المآخذ والانتقادات، كانت مواظبة بعض التغييريين على محاولة تهشيم الفوز الذي حققه الفريق الآخر، وعلى وجه الخصوص فوز الرئيس بري ونائبه، ونَعتِه بالهَزيل. إلّا أنّ الصورة مختلفة تماماً لدى "الفريق المنتصر" في جلسة الثلاثاء، حيث اكّدت مصادر مسؤولة في هذا الفريق لـ"الجمهورية": انّ ما جرى في جلسة انتخاب مكتب المجلس عكسَ النتائج الحقيقية للانتخابات النيابية، بعيداً عن كل التنظيرات السابقة التي تحدثت عن انقلاب أحدثته هذه الانتخابات، وفرضت في المجلس النيابي اكثريات واقليات جديدة.

أكثرية "دوارة"

مصادر مجلسية اكدت لـ"الجمهورية" انه من الخطأ القول انّ الانتخابات النيابية فرضت اكثرية معيّنة في المجلس النيابي تدور في فلك واحد وتلتقي على موقف واحد حول كل الملفات والقضايا، كما من الخطأ اعتبار انّ جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وسائر اعضاء هيئة مكتب مجلس النواب قد رَسّمت حدود الاكثريات والاقليات في المجلس، بل انّ الصورة الحقيقية للمجلس هي انه مؤلف من مجموعة أقليات، تتأتّى من خلال تَلاقيها مع بعضها البعض ما يمكن ان تسمّى "اكثرية دوّارة" تبعاً للظروف، ووفقاً لتلاقي بعض الكتل الكبرى مع بعضها البعض حول بعض الملفات وكذلك الاساسيات المشتركة فيما بينها.

واعتبرت المصادر انّ الفوز في انتخابات رئاسة المجلس بفارق صوت واحد او بنسبة عالية من الاصوات نتيجته واحدة: فوز كامل. وبالتالي، فإنّ محاولة بعض الكتل تهشيم نتائج الجلسة الانتخابية، والحديث عن فوز الرئيس بري ونائبه بأكثرية هزيلة، ليست سوى تعبير عن موقف سياسي لا يقدّم ولا يؤخّر حيال هذه النتائج، كما لا يغطي على خسارة فريق في عملية انتخابية. وبالتالي، لا يغيّر في واقع الحال شيئاً، فما حصل قد حصل، والفوز تحقّق للرئيس بري وكذلك لمرشّح التيار الوطني الحر وانتهى الامر.