اثارت المبالغ المالية الضخمة التي تم نشرها في وسائل الاعلام والتي خصصت كمكافآت لضباط ومستشارين في وزارة الداخلية، الكثير من ردود الفعل المستغربة. فمن ناحية المبدأ، من الواجب مكافأة اي موظف يقوم بجهد مميز في عمله، وبالاخص في ظروف استثنائيّة كالتي يعيشها لبنان على اكثر من صعيد وتحديداً مالياً. هذا من ناحية المبدأ، ولكن ما تمّ نشره جعل استيعاب ايّ عذر لتبرير صرف مثل هذه المبالغ غير وارد، فالحديث عن مكافأة بمبلغ 140 مليون ليرة و120 مليون ليرة و90 مليون ليرة وهلمّ جرّا، لا يستوعبه عقل كونه يفوق الخيال وهو يوازي تقريباً راتب رئيس جمهوريّة ورئيس مجلس نواب ورئيس حكومة على مدى اكثر من 8 اشهر، والأكثر أهمّية انه يوازي تعويض خدمة كاملة لرتباء وموظفين في الدولة طوال عقود من سنوات الخدمة!.

وتقاطعت معلومات كشفتها مصادر من وزارتي الماليّة والداخلية والسراي الحكومي، عن استياء رئاسة الحكومة من هذه الواقعة، وانها دعت الى إعادة النظر بحجم المبالغ الموضوعة، وانها رأت عدم القدرة على تحمّل شكاوى الموظّفين والمواطنين الذين يعانون بشدّة، اذ ان رواتب موظفي الدولة لهذا الشهر لن تتضمن تعويض بدل النقل بسبب عدم توافر الاعتمادات. واضافت المصادر ان رئاسة الحكومة تدخّلت ولكنها لم تغيّر في الامر شيئاً، وانّ المسألة تسير بشكل طبيعي، و"الاخطر في الامر ان هناك اسماء اخرى كثيرة لم يتم نشرها تتضمن، اضافة الى ضباط وموظفين ومستشارين، قضاة و"بعض المحسوبين" بمبالغ لا بأس بها ولو انها اقل بكثير من تلك التي تم نشرها، مع الاشارة الى ان موظفين آخرين (رؤساء اقلام واعضاء ومشاركين في الاجراءات العملية للانتخابات) ما زالوا بانتظار قبض مستحقاتهم".

وسألت المصادر عن كيفية القبول بصرف هذه المبالغ اولاً في ظلّ الازمة التي تغرق فيها البلاد، وعن السكوت المريب للمعنيين من رئيس جمهورية ورئيس مجلس نواب ورئيس حكومة، اضافة الى النواب الذين تسلموا مهامهم بشكل رسمي وبدأوا يتوزّعون على اللجان النّيابية، الا تستحق مثل هذه القضية اهتماماً سريعاً إمّا لنفي الخبر اذا كان غير صحيح (مع العلم ان المصادر تؤكّد صحته)، او لمحاولة التخفيف من وطأته على الاقل؟ الا في حال كان هؤلاء قد سلّموا بأن الناس اصبحت غير معنيّة بما يحصل وعليها تقبّل ما يصدر من دون اي مراجعة او اعتراض.

ومن المهم مراقبة هذا الموضوع خلال الايام المقبلة لمعرفة مدى تأثيره على الاستحقاقات التي تنتظر لبنان واولها تكليف رئيس حكومة، فإذا كان نجيب ميقاتي مرشحاً للعودة الى الموقع الفعلي بعد تصريف الاعمال، الا تنعكس عليه هذه القضية بشكل سلبي، وتضعف من حظوظه كونه لم يستطع القيام بشيء لتغيير ما رأى فيه مبالغة فادحة، على الرغم من التحرك الذي اكدت المصادر انه قام به؟ وماذا عن وزير الداخلية نفسه الذي وقّع هذه القرارات، هل سيشفع به ان الانتخابات النيابية اجريت خلال توليه الوزارة فيما الكلفة كانت اكبر بكثير من المتوقع، لان الرقم الذي يتم تداوله والمخصص لهذه المكافآت يبلغ مليارات الليرات اللبنانية؟ الم يكن من الممكن الاستفادة من هذا الوفر المحقق؟ وماذا عن رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، الا يجب ان يصدر عنهما موقف من هذا الموضوع، ولو انّ الاول شارف على انهاء ولايته فيما الثاني بدأها للتو؟ مصادر رسمية اعربت عن عدم تفاؤلها بما يمكن ان يصدر عن المعنيين في هذا المجال، معتبرة ان التقسيم الطائفي و"المحسوبيات" للمكافآت، كفيل بالتغطية عليها وتأمين صرفها بأقلّ قدر ممكن من الضجيج والصخب، وان الاعتماد هو على النهج المتّبع لجهة "ترك الامور للنسيان" سيكون الحلّ الشافي، في زمن الوعود التغييرية...