مع اقتراب ​الاستشارات النيابية​ الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة، التي دعا إليها رئيس الجمهورية في قصر بعبدا يوم الخميس المقبل، لا تزال مواقف العديد من القوى والأحزاب السياسية، فضلاً عن ​الكتل النيابية​، ولا سيما المستجدّة على البرلمان، مبهمة وضبابية، يحيط بها الغموض، في ظلّ فشل بعضها حتى الآن عن الاتفاق على مرشح "جدّي" للمنصب.

ولا يزال رئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​ هو المرشح "الأوفر حظًا"، وفقًا لكلّ التقديرات والاستطلاع، باعتبار أنّه يستند إلى أكثرية صلبة، قد تقترب من "سيناريو الـ65" الذي طبع جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وأميني السرّ، ولو أنّ أكثريته لا تزال تصطدم باعتراض شريحة واسعة، وبعدم اتضاح هوية "منافسه الأقرب"، أقلّه لغاية كتابة هذه السطور.

وينطلق ميقاتي، وفق المعلومات المتوافرة، من تأييد "شرس" من جانب رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، الذي يعتبره "الأصلح" في هذه المرحلة "الانتقالية"، عشية انتهاء الولاية الرئاسية في تشرين الأول المقبل، لكنّه يواجه في المقابل معارضة "أشرس" من جانب "التيار الوطني الحر"، حيث انتقده رئيسه ​جبران باسيل​ بشدّة، مشكّكًا بقدرته على إدارة هذه المرحلة.

إزاء ذلك، تُطرَح مجدّدًا علامات استفهام عن موقف "​حزب الله​" من خلاف حليفيه القديم الجديد، وعن "وجهة تصويته" في استشارات الخميس، علمًا أنّ معظم الأوساط السياسية صنّفته في خانة "القاعدة المؤيدة" لميقاتي، التي ما كان الأخير ليمضي في ترشيحه من دونها، ولو أنّ معظم قياديي الحزب يؤكدون أنّه لم يحسم موقفه بعد، ولا يزال يدرس الخيارات المتوافرة.

بالنسبة إلى كثيرين، فإنّ موقف "حزب الله" محسوم منذ اللحظة الأولى، فهو كان إلى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري من المؤيّدين لبقاء ميقاتي في موقع ​رئاسة الحكومة​، استنادًا إلى العديد من الاعتبارات، قد يكون من بينها أنّه الشخصية السنية الأكثر حضورًا وتمثيلاً، بعد "التشتت" الذي أصاب الساحة السنية في الانتخابات النيابية الأخيرة، وقبل ذلك، في ضوء عزوف رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري وتعليق مشاركته في العمل السياسي.

ويرى "حزب الله" في ميقاتي الشخصية "الأنسب والأصلح" لإدارة البلاد في هذه المرحلة، بوصفه قبل كل شيء "يجمع التناقضات"، فهو عرف كيف يحافظ على علاقته الجيدة مع فريق "حزب الله" من دون أن يقطع "شعرة معاوية" مع خصوم الأخير، كما أنّه نجح في العبور بين الألغام خلال قيادته لحكومة تصريف الأعمال، وخصوصًا حين نجح في إعادة وصل ما انقطع مع دول الخليج، وحصل على "ثقة" ​السعودية​ بشخصه، ولو بدت "مشروطة".

ومع أنّ لـ"حزب الله" حلفاء سنّة يدورون في فلكه، وبعضهم وصل إلى الندوة البرلمانية، ما يعطيه "حيثيّة" ربما أكثر من ميقاتي، الذي لم يخض الانتخابات، فيما خسر المرشحون المحسوبون عليه، إلا أنّه لا يزال، وفق العارفين بأدبيّاته، يفضّ الذهاب إلى خيار "وسطي ومعتدل" يمثّله نهج ميقاتي بشكل أو بآخر، خصوصًا أنّه يبقى من المطالبين بحكومة وحدة وطنية، بالحدّ الأدنى الممكن، ويرفض بالمُطلَق منطق "حكومة الأكثرية".

وعلى المستوى الاقتصادي أيضًا، يعتبر "حزب الله" أنّ ميقاتي، رغم كلّ التحفظات التي قد تكون موجودة على أدائه ومصالحه وغير ذلك، يبقى "الأصلح" في هذه المرحلة، بالحدّ الأدنى من أجل استكمال ما بدأه في عهد حكومة تصريف الأعمال، خصوصًا على مستوى المفاوضات مع صندوق النقد، التي ينبغي ترجمتها في الأسابيع المقبلة، في حين أنّ الإتيان برئيس حكومة جديد قد لا يتيح له فرصة استكشاف ما تمّ إنجازه، قبل أن تصبح حكومته بحكم المستقيلة.

لكن، إذا كان موقف "حزب الله" بهذا الوضوح، وفق الاعتقاد السائد، ولا سيما أنّه "محتسَب" من ضمن الأكثرية التي "يضمنها" ميقاتي، فلماذا لا يبوح به، ويبقيه "غامضًا" بانتظار يوم الخميس؟ هل يمكن لـ"مرونة" الحزب في هذا المجال أن تعكس "انفتاحه" على خيارات "بديلة"، خصوصًا أنّ المحسوبين عليه يؤكّدون أنّه مع "التوافق" بالدرجة الأولى؟

يعتقد كثيرون أنّ "ضبابية" الحزب مرتبطة بشكل أساسيّ بموقف حليفه، "التيار الوطني الحر"، فهو يفضّل ترك موقفه رهن الاتصالات مع قياديي "التيار"، وعلى رأسهم الوزير السابق جبران باسيل، خصوصًا أنّ موقف الأخير في الاستشارات، سواء لجهة تسمية ميقاتي، أو عدم تسمية أحد، أو تسمية مرشح منافس، قد يكون "حاسمًا"، فضلاً عن أنّ الحزب يسعى لتقريب وجهات النظر بين حلفائه، وهو يعتبر أنّ "توحيد الموقف" أكثر من ضرورة في مرحلة ما بعد الانتخابات.

وهنا، ثمّة من يشير إلى أنّ "الحزب" يحاول إقناع باسيل بـ"تليين" موقفه إلى حد ما من ميقاتي، وربما الاكتفاء بالامتناع عن تسميته، في حال تأكّد فوزه بالأكثرية النسبية أو المطلقة من أصوات النواب، من أجل ترك مجال للتفاوض معه لمنح الحكومة الثقة لاحقًا، خصوصًا أنّ الحزب يدرك كغيره أنّ أيّ حكومة لا يمكن أن تبصر النور إذا لم يكن باسيل راضيًا عنها، استنادًا إلى "إلزامية" توقيع رئيس الجمهورية على مراسيمها، وهو ما لن يقدّمه الأخير مجانًا.

وثمّة من يضيف إلى ما سبق نقطة "إشكالية" أخرى ترتبط بانتظار "حزب الله" لمواقف الكتل والقوى الأخرى، فهو قد لا يكون متمسّكًا بشخص ميقاتي، بقدر بحثه عن "توافق الحدّ الأدنى"، وهو ما عبّرت عنه مواقف قادته في الأيام القليلة الماضية، ولكنه أيضًا بحاجة إلى استكشاف الصورة النهائية للاستحقاق، وهوية المرشح أو المرشحين المنافسين، ولو أنّه شبه "مرتاح" للانقسامات التي يبدو أنّها تسيطر على القوى المعارضة له.

يقول العارفون بأدبيّات "حزب الله" إنّ موقفه شبه محسوم إلى جانب ميقاتي، لكنّ ما يهمّه قبل اسم رئيس الحكومة، هو الاتفاق على شكل الحكومة، التي لن تستطيع أساسًا أن تبصر النور إذا جاء رئيسها بمنطق "الاستئثار"، ولعلّه لهذا بالتحديد "يتريّث" في الكشف عن موقفه، بانتظار "نضوج" الصورة أكثر، وليترك بين يديه "هامشًا" يوظّفه في اتصالاته مع حلفائه، وعلى رأسهم باسيل بطبيعة الحال!.