في الثامن من حزيران الفائت، حضرت المدعي العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون الجلسة الأولى لها أمام القاضي جمال الحجار مقرّر هيئة التفتيش القضائي، وذلك بعدما أحالها رئيس الهيئة القاضي بركان سعد أمام التفتيش.

يومها لم تدم الجلسة لأكثر من ربع ساعة فقط، إذ أنّ القاضية عون إستمهلت لتوكيل محام، لكنها في الوقت عينه قالت للقاضي الحجار، "أنا آسفة كل الأسف لأنني إستُدعيت الى جلسة أمام التفتيش القضائي في ذكرى إغتيال القضاة الأربعة على قوس المحكمة" وأضافت "هناك نوعان من الإغتيالات، إغتيال جسدي وإغتيال معنوي، القضاة الأربعة إستُشهدوا بإغتيال جسدي، وأنا يتمّ إغتيالي معنوياً بتشويه سمعتي وبإحالتي الى المجلس التأديبي بملف فارغ".

نعم الملف فارغ وما أكّد فراغه أكثر فأكثر هو ما حصل في جلسة السادس من تموز الجاري والتي عقدها القاضي الحجّار يوم الأربعاء أول من أمس.

ففي الجلسة المذكورة حضرت القاضية عون ومعها وكيلتها القانونية المحامية باسكال فهد. تخيّلوا أنّ الجلسة الثانية والتي كانت من المفترض أن تخصّص لإستجواب القاضية المذكورة بكل الملفات التي إستند اليها القاضي بركان سعد كي يحيلها الى هيئة التفتيش القضائي، لم تدم لأكثر من عشر دقائق فقط!.

كان من المفترض أن تسأل القاضية عون عن ثلاث نقاط:

النقطة الأولى تتعلق بتصريحاتها التي إعتبرها القاضي سعد خرقاً لموجب التحفظ لدى القضاة، علماً أن هذا الموجب هو عرف غير مُقونن ولا تنص عليه الأنظمة القضائيّة، ويحتاج الى تحديد مضمونه كي لا يتناقض مع حق التعبير، وعلماً أيضاً أن القاضية عون ليست الوحيدة بين القضاة الذين يدلون بآرائهم، ومنذ مدة أطلّ أحد القضاة بحلقة تلفزيونيّة ودافع عنه نادي قضاة لبنان بعدما تعرّض لهجمة من بعض الجسم القضائي على خلفيّة إطلالته وذلك حفاظاً على حرية التعبير.

النقطة الثانية تنطلق من إتّهامها بعدم تبلّغ دعاوى الردّ بحقّها، علماً ان عون سبق أن تبلّغت وبأكثر من ملف دعاوى الرد ولكن بعد تبليغ المدعين ومن أبرز هذه الملفات دعوى المصرفي أنطون الصحناوي التي أوقفت كل إجراءاتها بها بمجرد تبلغها إياها.

أما النقطة الثالثة فمرتبطة بأقاويل عن ممارستها ضغوط على أحد القضاة في محكمة الإستئناف في جبل لبنان، والتي من المفترض أن تنظر بدعوى ردّ مقامة ضد القاضية عون، وهنا تفيد المعلومات بأنّ كل ما قالته للقاضي المذكور هو تذكير بنص قانوني في فرنسا يمنع ردّ النيابة العامة مؤكّدة له أنّ هذا النص كرّسه أيضاً الإجتهاد في لبنان.

أكثريّة هذه النقاط لم تحضر خلال جلسة الإستماع الى القاضية عون أمام القاضي جمال الحجار. تخيلوا أنّه لم يسألها عن موجب التحفّظ بل هي الّتي أثارت الموضوع مشدّدة على ضرورة تحديده قبل إتهامها بخرقه.

النقطة الوحيدة التي سُئلت عنها هي عدم تبلغها دعاوى ردّها، فشرحت أنّها لا تتبلغ كنيابة عامة عادةً إلا بعد تبليغ الجهة المُدَّعية وقد سبق لها أن تبلّغت أكثر من دعوى وبحسب الأصول.

المعلومات تفيد أن القاضي الحجار سأل القاضية عون إذا كانت تريد أن تؤكّد إفادتها التي أعطتها لهيئة التفتيش منذ سنة ونصف، فكان جوابها "بالتأكيد أتبناها".

كل ما حصل في الجلستين الأولى والثانية، إن دلّ على شيء إنّما يدل على فراغ ملفّ القاضية عون من أيّ مخالفة، وهذا ما قد يدفع بالقاضي الحجار الى حفظ الملفّ، علماً أن تطوراً بارزاً طرأ على الملف، ألا وهو بلوغ القاضي سعد الذي أحال القاضية عون على التفتيش سن التقاعد منذ أيام قليلة.