لم يعد من الممكن النظر إلى ملف ​ترسيم الحدود البحرية​ مع ​إسرائيل​، بمعزل عن المعادلات التي يعلنها "​حزب الله​"، نظراً إلى أن الثاني، في الفترة الماضية، أظهر رغبة جدية بالدخول على خط المفاوضات، متمسكاً بموقف واضح يقوم على أساس البقاء خلف الدولة، لكن مع التدخل عندما يرى ذلك ضرورياً.

من هذا المنطلق، ينبغي النظر إلى التصاعد في موقف الحزب من هذا الملف، حيث من الممكن الحديث عن 3 محطات: خطاب ​السيد حسن نصرالله​ ما قبل الأخير، إرسال الطائرات المسيّرة فوق ​حقل كاريش​، خطاب السيد نصرالله الأخير، بالإضافة إلى رصد تطورات المفاوضات من هذا المنطلق، خصوصاً أن الصورة لم تكن واضحة قبل ذلك.

حتى ظهر الأمس، لم يكن لدى الحزب معلومات جديدة عن تداعيات المواقف التي أطلقها أمينه العام مؤخراً، بالرغم من قناعته بأن المعادلة الجديدة، لناحية التشديد على حق لبنان في إستخراج نفطه، أهم من الترسيم، نظراً إلى أنّه من الممكن أن يحصل لبنان على إتفاق الترسيم الذي يريده، من دون القدرة على التنقيب أو الإستخراج، وبالتالي لا يكون قد حقّق شيئا من الناحية العملية.

في قراءة لمسار المفاوضات، في الفترة الماضية، لدى الحزب قناعة بأن الموقف اللبناني كان ضعيفاً، خصوصاً أن الجانب الأميركي كان يعمل على المماطلة، التي من الممكن وصفها بالسيناريو الأخطر، على إعتبار أن الجانب الإسرائيلي يكون قد بدأ في عملية الإنتاج، بينما لبنان يبقى في مرحلة الإنتظار، وبالتالي وجب التحرك لتقوية الموقف.

ضمن هذا السياق، تؤكّد مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أنه بعد الخطاب ما قبل الأخير ورسالة الطائرات المسيّرة تحركت المفاوضات بقوّة أكبر من أي وقت مضى، لا سيما أن الجانبين الأميركي والإسرائيلي يتعاملان مع تهديدات الحزب بجدّية مطلقة، الأمر الذي رُصِد بشكل واضح بعد عملية المسيّرات، التي دفعت الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين إلى إطلاق جولة جديدة من الإتصالات.

من وجهة نظر هذه المصادر، الحزب هو الجانب الوحيد القادر على التأثير في هذا الملف من دون خوف، على أساس أن بعض الأفرقاء اللبنانيين يخشون التهديد بوضعهم على لوائح العقوبات، بينما هم أنفسهم، في الغرف المغلقة، يؤكدون دعمهم الخطوات التي يقوم بها، لكن في العلن لا يستطيعون إلا تنفيذ المطلوب منهم أميركياً.

بعد خطاب السيّد الأخير، المصنّف بالأقوى، نظراً إلى أن الحزب انتقل إلى مرحلة التهديد بشن حرب تؤثر على أمن الطاقة في المنطقة، كان من المستغرب أن تنطلق حملة من ردود الفعل المحلية، في حين أنّ الجانبين الأميركي والإسرائيلي لا يزالان في فترة قراءة المواقف التي أطلقها أمين عام حزب الله، لكن في تصنيف الحزب، هناك بين هؤلاء الأفرقاء من هو ضده مهما كانت المواقف أو الخطوات التي يقوم بها، وهناك من الواجب السؤال عن تأثيرهم على الفريق المفاوِض أو على قرارات الحزب!.

هنا، تشير المصادر نفسها إلى أن رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، المسؤول الأساسي عن هذا الملف، لا يـتأثّر بتلك المواقف بأيّ شكل من الأشكال، في حين أنّ قرارات الحزب، بالنسبة إلى الخطوات التي يحتمل أن يقوم بها في المستقبل، لا تتأثر بما يقوله هؤلاء أيضاً، وبالتالي هي لا تعدو أن تكون أكثر من قنابل صوتية هدفها التشويش الداخلي، بينما الحزب جدي جداً في تهديداته، نظراً إلى أنّها الأكثر قدرة على تحقيق نتائج عمليّة تصبّ في صالح لبنان.