منذ لحظة وقوع إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب من العام 2020، أظهر المجتمع الدولي إهتماماً غير مسبوق بلبنان لا سيما في عمليات إنتشال الضحايا والجرحى من تحت الركام ومن بعدها في التحقيقات العسكرية والأمنية والقضائية المربتطة بالملف، كل ذلك تحت شعار كشف الحقيقة ومحاسبة المرتكبين. هذا الإهتمام لاقته وعود رسمية لبنانية بكشف الحقيقة ومحاسبة المرتكبين.

اليوم، وبعد مرور سنتين على الإنفجار-الزلزال الذي دمّر حوالي نصف العاصمة بيروت وقتل حوالى 207 أشخاص من الأبرياء كما جرح قرابة 6000 آلاف وشرّد مئات الآلاف، يمكننا وبكل راحة ضمير الحديث عن أن لبنان يعيش المشهد الأسوأ وعلى كافة الصعد المرتبطة بالإنفجار.

المشهد الأسوأ أولاً لأن الحقيقة لم تظهر ولأن محاسبة المرتكبين لم تتحقق.

المشهد الأسوأ ثانياً لأن التحقيق معطّل منذ 23 كانون الأول 2021 بسبب دعاوى الرد والنقل ومداعاة الدولة التي تقدم بها الوزراء والمسؤولون السابقون المدعى عليهم بحق المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وعدد من القضاة، وقد وصل عدد هذه الدعاوى الى 39 دعوى وهو رقم قياسي يسجّل في تاريخ القضاء اللبناني وقد يكون العالمي.

المشهد الأسوأ ثالثاً لأنّ الدول كل الدول وحتى العظمى منها، لم تتعاون مع القضاء اللبناني كما هو مطلوب لكشف الحقيقة وإدعت أن أقمارها الإصطناعية لم تكن موجهة نحو بيروت، الأمر الذي جعلها غير قادرة على تزويد القضاء بصور عن اللحظات التي سبقت وقوع الإنفجار.

نعم لبنان يعيش المشهد الأسوأ رابعاً لأن المسؤولين في لبنان لم يقوموا بتدعيم مبنى إهراءات القمح لتحويله معلماً تاريخياً كونه الشاهد الصامت على الجريمة البشعة، لا بل أسوأ من ذلك قرروا هدمه في مجلس الوزراء وتركوه على تصدّعاته الى حين بدأت حرائق الحبوب في داخله تندلع منذ أسابيع قليلة، والذي انهار بعضه يوم أمس وكان جعل الرأي العام اللبناني ينتظر لحظة الوقوع،وحرف قضية أهالي الضحايا عن مسارها إذ أصبح البعض منهم مهتماً بكيفية الحفاظ على الإهراءات ومنع سقوطها ناسياً الأساس، أي ملف التحقيق الذي يجب أن يستكمل وناسياً القرار الظني الذي من الضروري صدوره ومن بعده محاكمات المجلس العدلي وصولاً الى الحكم.

نحن في المشهد الأسوأ خامساً لأن اهالي الضحايا مشتّتين ومنقسمين حول كيفية التعاطي مع الملف، وتحديداً حول ملاحقة الوزراء والمسؤولين أمام المحقق العدلي أو أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

نحن في المشهد الأسوأ لأن أكثرية شركات التأمين لم تعوّض بعد على حاملي البوالص من أصحاب المنازل والمحال التجارية والمباني وحتى على من يملك بوليصة تأمين على الحياة وقتل بسبب الإنفجار، كل ذلك بحجّة أن القرار الظنّي لم يصدر وأن هذه الشركات لم تعرف بعد سبب الإنفجار، وإذا كان بسبب الحرب أو الإرهاب أو بسبب الإهمال والتقصير.

وهل تريدون بعد أسوأ من هذا المشهد الذي نعيشه بعد جريمة العصر؟.