من المعروف في كل دول العالم، أن حكوماتها خلال الأزمات، تولي عناية خاصة بالفئات الاجتماعية الأكثر فقرا فتحاول وضع نظام لحماية المهمشين تسمى "حماية اجتماعية"، حتى أن صندوق النقد الدولي في أي برنامج إصلاحي له مع أي بلد يوصي ويشدّد للاهتمام بهذه الفئات التي تسمى "الأكثر هشاشة" كي تتمكن من الصمود؛ فماذا عن لبنان، حيث ينشط التهريب والاحتكار قبل اي رفع للدعم ان كان في حال المحروقات، السلة الغذائيّة او اليوم مع اقتراب رفع الدعم عن الطحين؟!. بغض النظر عن ان سياسة الدعم المتّبعة خاطئة جدا بإجماع كل الخبراء.

هل فكر احد بالفئات الأكثر حاجة التي تتضخّم بسبب الازمة غير المسبوقة؟ او إذا اصبح سعر ربطة الخبز قريبا جدا الى دولار وربع او أكثر؟ كيف ستصمد هذه الفئات؟ ما مدى فعالية برنامج الدعم الذي اطلق في عهد حكومة حسان دياب؛ وما صحة ما يحكى عن إعطاء 30 ربطة خبز او 30 دولارا شهريا لكل عائلة؟ بأي تمويل؟ ووفق أية آلية؟ هل فكّر أحدهم بالفقراء الذين باتوا يشكلون 80% من سكان لبنان؟.

بداية للأسف البلد لم يكن لديه يوما أي سياسة حماية اجتماعية إطلاقا. في الستينيات أنشئت الجامعة والمدرسة الرسميتان وبدأ الضمان الاجتماعي، وكانت هذه بوادر لسياسة حماية إجتماعية، لكن للأسف عند اشتداد الأزمة لم يعد هناك أية رؤية بهذا الخصوص. وبعد رفع الدعم عن المحروقات ومعظم المواد الغذائية خلال سنتين ونصف السنة وفي القريب العاجل سيرفع الدعم عن القمح ماذا الّذي سيحصل؟!.

للأسف كانت كل القوى السياسية وحتى البنك الدولي يطالبون بوجود دعم مباشر للأفراد، ونعني المهمشين الذين يعيشون تحت خط الفقر. في هذا السياق أوضح عضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي الاجتماعي أنيس بو دياب عبر "النشرة" ان هذه السياسات وضعت على مجموعة برامج منها برنامج "أمان" بالشؤون الأجتماعية وغيره، على أساس أن تغطي بطاقات دعم تمويليّة منذ سنة ونصف حيث أُطلقت أيّام حكومة حسّان دياب لدعم الأسر الأكثر فقرا، على أساس ان يشمل 600 الف أسرة، لكن كما كافة الحكومات والمشاريع في الدولة اللبنانيّة تخضع للتسويف، فيما مصادر التمويل غير موجودة، والبنك الدولي يطالب بإصلاحات لدفع هذه القروض؛ فقرض 276 مليون دولار كان يجب إقراره لتمويل مشروع "أمان" للعائلات الأكثر فقرا" -حوالي 40 الف أسرة- هذا المشروع بدأ لكنه يسير ببطئ شديد مع صعوبة في تسجيل الأسر الأكثر فقرا، ولاحقا التحقيق الواجب اتّباعه من وزارة الشؤون الاجتماعية عن هذه العائلات، لافتًا الى صعوبة تطبيقه. وطالب بو دياب بتحرّك أسرع للحماية الاجتماعية، خصوصا أن الغلاء يزداد بوتيرة سريعة جدا، المترافق مع البطء الشديد بالنمو الاقتصادي، الّذي يعزز الفقر اكثر ويزيد نسب البطالة مع تراجع بالقدرة الشرائية، مجددًا القول عن الحاجة الماسّة الى مجموعة إصلاحات فعلية تبدأ بالصحة وصولا الى الغذاء والى حكومة أصيلة بدل حكومة تصريف أعمال، مستغربا غياب السلطة التنفيذية الكامل وبطء عمل السلطة التشريعية الّتي عقدت جلسة واحدة منذ شهرين حتّى اليوم، في حين أننا بخاحة الى خليّة أزمة تعمل بشكل متواصل واجتماعات خلال 24/24.

وأسف بو دياب لمشاهدة السلطة تتلهى باستحقاقات دستوريّة بدل ان تشكّل فرصا للنمو، فتتحول لإحداث مشاكل جديدة في لبنان، مع الخلافات حول رئاسة الجمهورية بغض النظر عن الأزمات المتوالية والجارية، حيث أيًّا من المسؤولين غائبًا بشكل كامل عن احوال الشعب اللبناني المُعدم!.