مَداهُ الريحُ، أنَّى الريحُ تَرتَحِلُ. هو الوَطَنُ الذي مِنَ الكَلِمَةِ وَفيها. الَصَعبٌ حَيثُ الحَياةُ تَحكُمُهُ، وَتَلتَزِمُ مَصائِرَهُ... في مِلءٍ، هو المِلءُ واقِعُهُ.

وَهو ما إنفَكَّ تواصُلاً بَينَ الكَلِمَةِ والوَحي، جَوهَراً يَدفَعُ لِلفِداءِ. هوَ الموحى بِهِ، مَن يَنظُرُ إليِه مِن فَوقٍ، مِن تِمَوّجِ السَماواتِ، لا يَجِدُهُ إلَا كاِملاً، لا تَجزِئَةَ فيهِ وَلا تَفَسُّخَ ولا إنقِسامَ، بَل نُتؤاتٌ مُتوالِدَةٌ مُتَّحِدَةٌ مُتماسِكَةٌ هي إكتِمالُ الوَحي بِكَلِمَةٍ فيها بُلوغُ الحَقيقَةِ... إذ الكَلِمَةُ هيَ في البَدءِ كانَت، وَهيَ الله.

وَحدودُهُ؟ لا كَلِمَةٌ إلّا مِن وَحيٍ، والوَحيُ تَعاقُبُ مَصائِرَ، في الدُهورِ مُرتَكَزُهُ.

أَحُدودُهُ ​لبنان​ مِن ذا إستِثناءٌ؟ بَل قُلّ: هيَ الإستِثناءُ وَحدَها لأَنَّها مِن عُلُّوِ سَماواتٍ، وَكُلُّ ما دونَها تَبَسُّطُ رَتابَةٍ تَنكَتِبُ في كُثبانَ رِمالٍ تُذريها الريحُ وَتُبَدِّدُها.

أَإِستِثناءٌ مِن قُدسِيَّةٍ حُدودُ لبنان؟ بَل قُلّ: هيَ القدسِيَّةُ وَحدها، لأنَّها تَنبَسِطُ تَكثيفَ أنوارٍ في مَطارِحَ لانِهائِيَّةً تَقتَحِمُ مُحاصَصاتِ السَراب المُستَوحِشَة، لِتَرويَ الريحَ خَفَرَ البَهاءِ وَبَهاءَ التَقوى.

قُلتُ: حُدودُهُ لبنان، إستِثناءُ قُدسِيَّةٍ؟ وأُضيفُ تأكيداً: ما أُعطِيَت إلّا لَهُ!.

ها الكِتابُ المُقَدَّسُ يُعليهِ "بُرجاً ناظِراً الى دِمَشق"، وَيَستَزيدُ تَحديداً جغرافو-روحيَّاً: شَمالُهُ مِن أرزٍ مَغروسٍ بِيَدَيّ الرَبِّ، بِشذا لُبانِهِ يَطيبُ قُدسُ الأقداسِ وَيُحفَظُ هامَةً تأكيداً لِحُضورِ الرَبِّ وَسط َشَعبِهِ. وَشَرقُهُ، هُناكَ عَرشُ حَرَمونِهِ بِطُهرِ ثلوجِهِ، والذي الرَبُّ حَرِمَهُ عَن موسى وأتباعِهِ، لأنَّ عَليهِ سَيَتَجلَّى إبنُهُ الوَحيدُ ليَتَكامَلَ سِرُّ الحَياةِ مَعَ سِرِّ القيامَةِ في إستِباقٍ للأزمِنَةِ الدَهرِيَّةِ، فَيَصرُخُ لَهُ بُطرُسُهُ مُعتَرِفاً: "أنتَ إبنُ الله الحَيِّ... إلى مَن نَذهَبُ وَلَدَيكَ الحَياةُ الأبَدِيَّةُ"؟ وَجَنوبُهُ، كَرمَلُ الجَوهَرِ حَيثُ إتِّحادُ الكَلِمَةِ الآتيّةِ مِن لَدُنِ الخالِقِ، والنورِ الدافِقِ مِنهُ إنعِتاقاً لِلعَدَمِ وَتَحرُّراً مِن سَطوَةِ فَراغِهِ.

أإلى ذا المَدى قُدسِيَّةُ إستِثناءِ حُدودِهِ لبنان؟ مِنَ الأرزِ الى القِمَمِ المُسوَّرَةِ لَهُ، المُقيمَةِ فيهِ وَلَهُ... لِتَنتَزِعَ طوبى حياتِهِ في الله؟ قُلّ، وَتَهَيَّب: حُدُودُهُ نُزولُ العَليِّ، إلَيهِ.

لبنانَ قُدسٌ

ها ياقوتُ الحَمَويّ يُسَطِّرُ انَّ لبنان يأتي مَنَ العرج، بَينَ المُكَرَّمَةِ مَكَّةَ والمَدينَةِ المُنوَّرَةَ، لِيَمُّرَ بَفِلَسطينَ فَيُسَمَّى جَبَلَ الحَمَلِ، وَيَعبُر الأردُنَّ فَيَكونُ إسمُهُ جَبَلُ الجَليلِ، وَمِنهُ الى دِمَشقُ لِيُدعى جَبَلَ السَنيرِ، وَيتَّصِلَ بإنطاقِيَةَ فَيُسَمَّى جَبَلَ اللكامِ.

وَها الكلبيّ يَروي: "صَعِدَ إبراهيمُ، عَلَيهِ السَلام، جَبَلَ لبنانَ، فَقيلَ لَهُ: أنظُر، فَما أدرَكَ بَصَرُكَ فَهوَ مُقَدَّسٌ".

وَبَعدُ؟ حُدودُهُ لبنانُ لا القُدسِيَّةُ فَحَسبَ، بَل هوَ القُدسِيُّ، الشامِخُ، مِن المُكَرَّمَةِ الى مَدينَةِ السَلامَ القُدس، وَمِنهُما الى مَدينَةِ الله العُظمى، إنطاقِيَة... فَعَرشِ الله. لا أيَّ عَرشٍ، بَل عَرشَ يَومِ القيامَةِ، الذي "يَضَعُ الجَبَّارُ جُلَّ جَلالُهُ عَلَيهِ كُرسيهِ حَتَّى يَقضِيَ بَينَ أهلِ الجَنَّةِ والنارِ"، على ما ذُكِرَ مَن كَعبِ الى أبي الزاهريَّةِ والحافِظَ بِن عَساكِرَ، سَنَداً لأحاديثَ شَريفَةٍ.

قُلّ، وّتّهيَّب: حُدودُهُ الصُعودُ الى العَليِّ، بِهِ.

في ذَلِكَ لبنان أكثَرُ مِن صُنُّو حَقيقَةٍ، بَينَ اليَهودِيَّةِ والمَسيحِيَّةِ والإٍسلامِ، وَقَد إقتَبَلَ جَوهَرَهُ مِنَ اللهَ الذي إبتَدَعَهُ، لِيَبقى لِكُلِّ آنٍ خَلقاً جَديداً.

لَكَ لبنانُ مِنَ القُدّوسِ حُدودُكَ، وَلِمَرضاتِهِ كَلِمَتُكَ كَمالُ رِسالِتِكَ: عطاءٌ مِن رِضَى الحُبِّ... حَيثُ اللونُ لَونٌ فَلا بُهتان، والبَقاءُ بَقاءٌ فَلا زَوال!.

أأتَنازَلُ عَن حُدودِهِ هَذِهِ لبنانُ، قُدسُ اللهِ، وأنا لَها مؤمِنٌ؟.

* رسم غابة الأرز المرافقة هو للفنانة العالمية آنا أوم