مِن ندى حَرَمونَ، يَنزِلُ الرِضى الى بَني صِهيونَ، في ما هُم تَهيئَةُ الثَرى...

كَلِمَتُهُ، بَعضٌ مِن ألوهِيَّةِ الآبِ الذي إصَطَفاهُ بِحُنُّوهِ، قَبلَ الدُهورِ، فَحَرَمَ بَني صِهيونَ مِنَ الإقتِرابِ مِنهُ(تَثنِيَةُ الإشتِراعِ: 3). فَلا هوَ غَنيمَتَهُم، وَلَن يَكونَ. وَلا هوَ ضَحِيَّتَهُم، وَلَن يَكونَ. وإسمُهُ الى المُنتَهى حُرماً يَنزِلُ بِمَن مَطمَعُهُ أن يَكونَ إلَهَ ذاتِهِ، فوقَ ذاتِهِ، وَفَوقَ ذاتِ البَشَرِ، لأجلِ ظَمأ جَشَعِهِ، حتى عُريِّ كُلِّ مَوتٍ.

وَعَلى قِمَّتِهِ، تجلَّى الإبنُ مُستَبِقاً قِيامَتَهُ بِبِشارَتِهِ أنَّ الإنسانَ لا الى مَوتٍ بَل الى قِيامَةٍ، وأنَ القِيامَةَ جَوهَرُ إتّحادِ اللهِ بالإنسانِ.

وَكَلمَتُهُ، إلَهُنا-الكَلِمَةُ، نَحنُ المُنبَسِطينَ أمامَهُ صِدقَ دُنوٍّ وَدُنوَّ تَلاقٍ وَتَلاقيَ إتِّحادٍ، بَعضٌ مِن إنسانِيَّتِهِ.

مِن جِراحِهِ، صِدقَ ذاتِهِ مِن أزَلِهِ الى أبَدِهِ. شَجاعَتُهُ أنَّه رَفَعَ حَرمونَنا، على صورَتِهِ كَمِثالِهِ، كَلِمَةً. بَل: كَلِمَةِ الحِكمَةِ، السائِرَةِ قوَّةً لا مِن صُنعِ بَشَرٍ، لَكنَّها لَهُمُ شامخة كالأرزِ. فَلا خَوفَ قادِرٌ عَلَيها، إذ هيَ لَيسِت الى إستِسلامٍ. ألَيسَت نَقاوَةُ الثِلجِ صُحبَتُها الى يَومِ الدَينونَةِ، مِن دونِ إستِعلاءٍ؟.

قُلنا، حِكمَةً لِلدَينونَةِ؟ في صِدقِ جِراحِها إرتِقاءُ حَرمونَ نَحوَ العُلى. وهو الشامِخُ، قُدسِيَّةَ العَليِّ، يَحجُبُهُ الروحُ غَمامَةً مِن أنوارٍ، فَلا يُدنى مِنهُ. وَتَبهُرُهُ أنوارُ الغَمامَةِ، فَيَتَتَوَّجُ بِهِ لبنانُ.

دَينونَةُ... الخَلاصِ

حَرَمونَ، حَرَمونَ، يا مُحَقِّقاً سيادَةَ الذاتِ لِلحَقِّ!.

حَرَمونَ، حَرَمونَ، يا نَقيضَ الجُمودِ الذي لَهُ ظاهِرُ السِلمِ، وَفي عُمقِهِ لَيسَ إلّا أصلَ خَطيئَةٍ!.

حَرَمونَ، حَرَمونَ، يا مُحيي الحَياةِ على إسمِ مَن فيكَ أبَداً!.

قوافِلُ الدُهورِ راحَتُكَ. وَبنو صِهيونَ دُهورُهُمُ حَربائيّاتُ مُخادَعاتِ قاتِلَة: تَدثّروا بأثينا فَطوَّعوها، وَلاذوا بِروما فَدَجَّنوها.

ها أورشَليم دَينونَاتِهِم يُغيظُها إرتِقاؤكَ، فَقَتَلتِ الأنبِياءَ وَرَجَمَتِ المُرسَلينَ إلَيها، حتى غَدا أيُّ مِعراجٍ لَها الى السَماوات، وَلَو تَوَهُمَّاً، أن تُرديكَ رَماداً لَعَلَّكَ، وأنتَ المُحَرَّمَ عَلَيها، تُذريكَ كَثافَةَ زَوالٍ، لِتولِدَ على أنقاضِكَ مَطارِحَ إتّساعٍ لِتناسُخِ ظَلامِيَّاتِها، وَتيهِ مَظالِمِها، وَتَكامُلِ ظُلُماتِها.

وها اثينا كُلِّ دَهرٍ، تَقاسَمَت حِكمَتَكَ، وَعَلى أسماءِ أبنائِكَ أقتَرَعَت، فَتَسَلَّطَت وإستَحكَمَت على غِواياتِها إستِبدالَ هَويَّاتٍ لَيسَت لَها: مِنَ المؤَرِّخِ فيلون البيبلوسِيِّ الى الأديبِ لوباركوسَ البَيروتيِّ، وَمِن الصوريِّينَ ادريانوسَ والجُغرافيِّ مارينوس الى الفَيلسوفِ مَكسيموسَ مُعَلِّمِ الأباطِرَةِ، وَمِن ليبانوسَ العرقاويِّ مُعَلِّمَ يوحنَّا فَمِّ الذَهَبِ الى فيلودان البقاعيِّ، وَمِن بورفيرَ الصوريِّ الى يمبليخوسَ الذي مِن عَنجَرَ الى ماركوس فاليريوس يروبوس البَيروتيَّ، الى بيتاغوراس، الى... وَ...

وها دَهرُ كُلِّ روما، وَقَد إٍستَلَبَت كَلِمَتِكَ في ما هيَ حِكمَةٌ، فَتَحَكَّمَت بإستيلادِها طُغياناً بإندِحار مُعتَقداتٍ، تُذريهِ زِنَى تواريخَ، على صُلبانِها المَرفوعَةِ لإعلاءِ إستِحالَةِ الإيمانِ باللهِ وَبالإنسانِ.

وَأنتَ طُوباكَ يا حَرمونِنا السَيِّدِ، يا لبنانَ ألابَديَّ!.

كَثيرَةٌ شَهواتُ عَوالِمَ بَني صَهيونَ بإغراءَاتِها، أمَّا أنتَ فإستِكانَتُك المَلءُ، وَمِنهُ حَياتُكَ.

كَثيرَةٌ إستِلاباتُ عَوالِمَ بَني صِهيونَ، أمَّا أنتَ فَغَلَبَتُكَ الفَيضُ وَمِنهُ عَطاياكَ.

كَثيرَةٌ عبودِيَّاتُ عَوالِمَ بَني صِهيونَ تَطويها مُبتَغياتُها، وأنتَ تُشعِلُ مِعطائِيَّةُ الرَحابَةِ، التي مِنها نَعمَتُكَ لأجلِ كُلِّ قُدرَةٍ.

فَيا لبنان، يا حَرَمونَ المُتَسَيِّدِ مِن قِمَّةٍ، المَحتَجِبُ في السَماواتِ، تَستَهزِئُ بِهِم: لَيسَ عِندَكَ إحتِجابُ المُقتَنى لِذاتِكَ، وَكِفايَتُكَ قَيادَتُكَ دَينونَةَ السَماوات. هِيَ فيكَ.... وَعَوالِمَ الكَثرَةِ الى زَوالٍ، وَصِهيونَ بَنيها.

مِن نَداكَ، يَصعَدُ الرِضى إلَيها، السَماوات، في ما هيَ لِلتَهيئَةِ الذُرى.

*الصورة المرافقة هي للرسّام الفنّان حسين جمعة