في الأسابيع الماضية، طغى في الأوساط السياسية الحديث عن معادلة أساسية تحكم العلاقة بين إحتمال ​تأليف حكومة​ جديدة و​الإستحقاق الرئاسي​، حيث كان هناك من يعتبر أن نجاح الإتصالات في تأمين ولادة حكومة، قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، يعني حكماً الدخول في شغور رئاسي طويل، على قاعدة أنّ هذه الحكومة ستكون قادرة على تسلم الصلاحيات من دون أيّ سجال حول وضعيتها الدستورية.

مع إنتهاء ولاية عون، بات من الضروري العودة إلى هذه المعادلة من جديد، خصوصاً في ظل الخلاف المتصاعد حول حدود ما يمكن أن تقوم به حكومة تصريف الأعمال خلال فترة الشغور الرئاسي، بعد أن كان رئيس الجمهورية قد بادر إلى توقيع مرسوم إستقالتها، بالتزامن مع إطلاق "التيار الوطني الحر" حملة سياسية واسعة تستهدفها.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه رغم المفاوضات الصعبة، التي كانت قائمة في الأيام الماضية، إلا أن أحداً لم يكن يتوقع أن يغامر المسؤولون بالوصول إلى الشغور في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، حيث كانت الغالبية تنظر إلى ما يحصل على أساس أنه يأتي في إطار لعبة "عضّ الأصابع" لا أكثر، وبالتالي الحكومة ستولد في نهاية المطاف، الأمر الذي لم يحصل بسبب الشروط والشروط المضادة بين المعنيين.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما ينبغي التوقف عنده اليوم، نظراً إلى المؤشرات التي يحملها بالنسبة إلى الواقع المستقبلي، هو غياب الإهتمام الدولي بالضغط لإنجاز التشكيلة الحكومية، خصوصاً من الجانبين الأميركي والفرنسي، في حين كان هذا الإهتمام حاضراً بقوة لإنجاز إتفاق ​ترسيم الحدود البحرية​ مع ​إسرائيل​، حيث تؤكد أن "​حزب الله​" كان هو الفريق الوحيد الذي يعمل على تقريب وجهات النظر، بالإضافة إلى الدور الذي لعبه مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم.

في قراءة المصادر نفسها، القوى الدولية المؤثرة ما كانت لتتجاهل هذا الواقع، فيما لو كانت لديها مخاوف حقيقية من إحتمال تدهور الأوضاع بشكل دراماتيكي، نظراً إلى أن هذا الأمر لن يكون لصالحها على الإطلاق، وبالتالي هي، بعد أن تيقنت من حدود ما يمكن وصفه بـ"الفوضى"، قررت ترك الأمور تسلك هذا المسار، على أمل أن يقود إلى زيادة الضغوط على القوى المحلية، بهدف إنجاز الإستحقاق الرئاسي بأسرع وقت ممكن.

حتى الساعة، لم يتبيّن المدى الذي من الممكن أن تسلكه الأزمة، لكن من الواضح أن هناك رغبة في إمتصاص الحملة التي يشنّها "التيار الوطني الحر"، بحسب ما تؤكّد مصادر نيابية لـ"النشرة"، وهو ما عبر عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​، بشكل غير مباشر، من خلال التشديد على أنه ليس في وارد إستفزاز أو تحدي أي فريق، وبالتالي من المفترض رصد التطورات التي قد تحصل في الأسبوعين المقبلين بالحد الأدنى.

إنطلاقاً من ذلك، تعود هذه المصادر إلى مقاربة التوازنات القائمة في المرحلة الراهنة، نظراً إلى التداعيات التي تتركها على كيفية مقاربة الإستحقاق الرئاسي، حيث تؤكّد أن تحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" هو "المحشور"، نظراً إلى أنه لم يعد قادراً على الإستمرار بخيار الورقة البيضاء، بينما المفاوضات لم تصل إلى أيّ إتفاق، لا بل التطورات الماضية قد تقود إلى تعقيد المسألة، لا سيما بعد الإشتباك الحاصل بين "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل".

في المحصلة، ترى المصادر نفسها أن ما يجب رصده بشكل دقيق، في المرحلة الراهنة، هو المدى الذي ستذهب إليه الأزمة، لا سيّما على مستوى الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة وما يمكن أن يترتب على ذلك، لكنها تشير إلى أن التطورات الأساسية ستكون بعد إنتهاء الإنتخابات البرلمانية في إسرائيل (1 تشرين الثاني) والإنتخابات النصفية في ​الولايات المتحدة​ (8 تشرين الثاني)، حيث التداعيات التي من الممكن أن تنعكس على المنطقة برمّتها.