قد تكون من المفارقات اللافتة في ​لبنان​، أن تبرز التحذيرات من توترات أمنية، لا تتأخر عادة في الظهور، عند أي خلاف، مهما كان حجمه، بين الأفرقاء السياسيين، حتى بات الحديث عن أن هذه التوترات هي الممر الإلزامي إلى التسويات أمر طبيعي لا نقاش فيه، وهو ما تعزز بشكل لافت في السنوات الماضية، تحديداً منذ العام 2005، أي تاريخ بروز الإنقسام الحاد بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار.

في الوقت الراهن، هناك من يؤكد أن الظروف الحالية هي الأمثل لحصول توترات أمنية بين اللبنانيين، تستفيد منها القوى السياسية من أجل تحسين واقعها التفاوضي، خصوصاً بعد دخول البلاد في مرحلة شغور رئاسي في ظل حكومة تصريف أعمال، على وقع سجالات سياسية ودستورية حادة، لا تنفصل أيضاً عن تلك التي ارتفعت وتيرتها بعد العام 2019، لا سيما بعد التداعيات التي تسبب بها إنفجار الأزمة على المستويين الإقتصادي والإجتماعي.

قد يكون من المفهوم أن تتزايد الإشكالات بين المواطنين في مثل هكذا ظروف، خصوصاً أن الأشهر الماضية كانت قد شهدت العديد من الإشكالات الفردية التي أدت سقوط ضحايا في مناطق مختلفة، لكن ذلك لا يلغي ما هو أخطر من ذلك، أي سعي القوى السياسية إلى إستغلال هذا الواقع من أجل الإستثمار فيه، وهو ما يمكن التأكيد عليه من خلال رصد الخطابات، لا سيما تلك التي تصدر عن أعضاء ​المجلس النيابي​ الحالي.

من حيث المبدأ، بات من الواضح أن الغالبية منهما قررت الذهاب إلى الخطابات الشعبوية، حيث بات من الممكن تشبيههم بالناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي، الذين يسعون فقط إلى كسب المزيد من الإعجابات، بعيداً عن المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المواقف التصعيدية، من دون التنبه إلى التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك.

إنطلاقاً من ذلك، باتت غالبية الخطابات السياسية عبارة عن تهديدات بـ"المنع" أو "الكسر" أو "التحدي"، وهو ما يُفسر ما حصل، على سبيل المثال، في ​الملف الحكومي​، حيث الجميع كان يتحدث عن أزمة سياسية ودستورية منتظرة، لكن أحداً لم يقبل الذهاب إلى البحث عن التسوية أو الحل الممكن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الملف الأهم، أي ​الإستحقاق الرئاسي​.

غالبية الأفرقاء، يدركون جيداً أنه لا يمكن أن ينجحوا في إيصال مرشحهم من دون التوافق مع الآخرين، لكنهم في الوقت نفسه لا يريدون الذهاب إلى حوار حول هذه المسألة، بسبب غياب القرار الخارجي بذلك، لا بل يصرون على التشدد في مواقفهم، بالرغم من أنهم هم أنفسهم كانوا يتحدثون عن الفراغ القاتل والتداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، بسبب الظروف الإقتصادية والإجتماعية التي تشهدها البلاد.

لدى التطرق إلى هذا الواقع، من الضروري السؤال عما سيأتي بعد ذلك، أي بعد وقوع البعض في "فخ" التوترات التي تسعى عليها بعض الجهات، سواء كانت محلية أو خارجية، رغم أن الإجابة واضحة لا تحتاج إلى الكثير من البحث، نظراً إلى أن الشواهد على ذلك لا تُعد ولا تُحصى، ومنها على سبيل المثال ما كانت تشهده ​مدينة طرابلس​ قبل سنوات، وصولاً إلى الإشكالات التي وقعت في العاصمة ​بيروت​، في أيار من العام 2008، وبعد ذلك على تخومها في الفترة الماضية.

عندما تقع الواقعة، سيخرج الجميع من أجل التشديد على ضرورة محاسبة المتسببين بها وإنزال أشد القصاص بهم، من دون نسيان إبداء الحرص على الإستقرار و​السلم الأهلي​ وتفادي الفتن التي يتراشقون الإتهامات بالسعي لها، لكن بعد ذلك تغيب عن الواجهة، لا سيما إذا ما حصلت تسوية بين الأفرقاء المعنيين، فتحل الإبتسامات فيما بينهما مكان الخطابات التصعيدية والتهديدات، لتبقى الأحزان في منازل ذوي الضحايا.