اثار الفيديو الذي تم تسريبه عما حصل في بلدة ​كفرقاهل​ استياء كل من شاهده، ليس بسبب الشتائم والسباب واللغة السوقيّة التي سادته، بل لمن تم توجيه هذه الشتائم، ولوقاحة من وجّهها، اضافة الى ظهور ال​قوى الامن​يّة وكأنّها عاجزة عن القيام بأيّ شيء، ما اثار المخاوف الجدّية من إثارة الفتنة. فيديو واحد ضرب نواحٍ عدة في وقت واحد سنتوقف عند ثلاث منها:

-الناحية الامنية: كان مؤلماً مشهد تواجد نحو 6 عناصر من قوى الامن بسيارة عسكرية وهم يتلقون الشتائم والسباب وحتى التهديد (تم دفع احدهم فيما كان واضحاً الكلام عن محاولة صدم السيارة بشاحنة)، واللافت انّ هذه العناصر (اقل من حضيرة) اتت لقمع مخالفة ولم تواجه افراداً مسلحين، ومع هذا كانت غير قادرة على المقاومة وخضعت لـ"اوامر" الشلّة الخارجة عن القانون. والمؤسف انّ هذا الامر حصل بعد ايام قليلة من تطمينات اعطيت من اعلى المستويات بأن الامن ممسوك ولن يتم التساهل مع اي شخص يعمد الى زعزعة الاستقرار الامني. واللافت ايضاً ان القوى الامنيّة بدت وكأنها تنتظر الحصول على غطاء سياسي للدفاع عن نفسها، فيما اعتبر البعض انه لو لم يتمّ سحب الغطاء عن هؤلاء "المارقين"، لكنّا امام مشهد آخر اليوم.

اما الوقاحة الكبرى فكانت في تسجيل "المعتدين" الحادثة من دون أيّ احراج او خوف من القبض عليهم، ما يعني ان ثقتهم كانت كبيرة بمن يحميهم، حتى انهم نشروا الفيديو الذي سجلوه بكل فخر واعتزاز. وهذا ان دلّ على شيء، فعلى ان التطمينات التي اعطيت حول الامساك بالامن بقوّة، لم تكن في مكانها، على الرغم من اليقين بأنّ المرجعيات لم تكن ستسمح بتطور الوضع الى حدود خطيرة.

-الناحية الطائفية: لا يختلف اثنان على التأكيد والتشديد على ان ​لبنان​ بلد طائفي اولاً، وهو على الرغم من كونه "رسالة" ويتمتع بأعلى نسبة من الكلام المنمّق حول العيش المشترك وتقبّل الآخر، الا انّ الطائفية تنخر في عظام ابنائه. ومن بين الاخطاء الكبيرة التي وقع بها المعتدون، استهداف الطائفة المسيحيّة والكنيسة المارونيّة بعبارات والفاظ نابية، وهذا ما رفع من وتيرة وخطورة الوضع، وأدّى الى الاتصالات والتدخلات السياسية والحزبيّة لتأمين رفع الغطاء عنهم، وتالياً الى قيام القوى الامنية بمهمّتها واعتقالهم. ولا يحتمل لبنان حالياً مثل هذا الوضع، لانّ التوتر يطال الجميع، واندلاع خلاف على خلفيّة طائفيّة امر بالغ الخطورة، ومن شأنه ان يكبر ككرة الثلج ويجرف في طريقه، لو حصل، الكثير من الخطوط الحمراء التي يتقيد بها الجميع، وربما كان عزز وبرر جنوح البعض الى اعتماد الامن الذاتي، مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر وتحديات.

-الناحية السياسية: وجد ​حزب الله​ نفسه محرجاً جداً من خلال هذا الفيديو وما تضمنه، خصوصاً وان ​سرايا المقاومة​ تتبع له وقد تم تسميتها بشكل واضح، ما يعني ان المعتدين وضعوا الحزب في مواجهة ​بكركي​ من جهة، ومواجهة القوى الامنيّة من جهة ثانية، وذلك في وقت دقيق جداً للحزب الذي عاود نسج علاقاته مع الكنيسة المارونيّة من جهة، ولطالما اعلن وقوفه الى جانب القوى الامنية وليس في وجهها. من هنا، كان لا بد للحزب ان يصدر الموقف الذي اصدره ويرفع الغطاء عن المعنيين بالفيديو، وكانت الخطوة صحيحة وضرورية والا لكانت الامور معقّدة جداً ليس للحزب فقط، بل لحلفائه واصدقائه ايضاً على الساحتين المحلّية والخارجيّة. وكانت سرعة صدور البيان عن سرايا المقاومة، دليل واضح على التزام الحزب بالسلم الاهلي وبعدم اثارة ايّ نعرات طائفيّة والتسبب بخلافات مجانيّة مع الاطراف الاخرى.

وعليه، تلاقت المعطيات حول ضرورة التأكيد انّ ايقاظ مارد الفتنة لم يحن وقته، على امل الا يتمّ في المستقبل ايضاً، وعلى وجوب حصر ما حصل بالمكان والزمان المعينين وعدم ربطه بمعطيات سياسية وطائفية ليست موجودة، فيما يبقى الخوف من الوضع الامني الذي اثبت انه ممسوك، انما من قبل القوى السياسية.