اشارت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير، الى ان "روسيا قررت، لحل مشاكلها في أوكرانيا، تسليم الملف لمهندس الحرب هناك"، ولفتت إلى أن "الرئيس ​فلاديمير بوتين​ استعان بخدمات ثالث قائد عسكري للقوات الروسية في أوكرانيا"، مع أن هذا التعيين لن يحل الأسس الجوهرية للحرب كما يقول المحللون الغربيون.

وذكر التقرير أن "فاليري جيراسيموف، مهندس حرب بوتين في أوكرانيا، تسلم إدارة الشؤون اليومية للقوات الروسية في أوكرانيا، وذلك بعد إقناعه الرئيس أن القادة السابقين كانوا متساهلين. لكن استراتيجية جيراسيموف المشحونة هي التي قادت للمشاكل ولا تزال موسكو بدون قوات وذخائر كافية لشن هجوم كاسح وعد به المسؤولون العسكريون الروس. ومنذ تولي جيراسيموف ملف الحرب الأوكرانية من سلفه الجنرال سيرغي سورفكين الذي لم يبق بالمنصب سوى 3 أشهر، ركز القادة العسكريون الروس على الأمور التكتيكية مثل استخدام الجنود للعربات المدنية وامتناعهم عن استخدام الأجهزة الإلكترونية كالهواتف المحمولة. وفي الوقت الذي لاحقت هذه المشاكل القوات الروسية منذ البداية إلا أن المحللين العسكريين الغربيين يعتقدون أن موسكو لم تبدأ بمعالجة الأمور الجوهرية، مثل نقص الذخيرة وعدم توفر القوات المدربة بشكل جيد رغم تغيرات الجنرالات مثل الكراسي الموسيقية. وفي أروقة البنتاغون يتحرك الجنرالات الأميركيون بقائمة طويلة من الجنرالات الروس الذين تم طردهم أو إنهاء خدماتهم أثناء الحرب المستمرة منذ 11 شهرا".

واوضح مساعد وزير الدفاع الأميركي كولين أتش كال: "إنها تبدو مثل تلفزيون الواقع وأعتقد أنها إشارة أن الروس لم يفهموا بعد طريقة قيادة القتال، وأعتقد أن الخلل الوظيفي بين القادة الروس عميق".

وبعد تعيينه قائدا عاما ثالثا لقواته في أوكرانيا لم يحقق بوتين إلا جزءا صغيرا من أهدافه. فقد فشلت القوات الروسية بالسيطرة على كييف، عاصمة أوكرانيا، ولا يزال فولدومير زيلنسكي في السلطة، وعلاقات أوكرانيا قوية جدا مع الغرب وأقوى من السابق، ورغم بعض التصدعات داخل الناتو فلا يزال متحدا في حربه ضد روسيا وحتى الهدف المحدد للروس في السيطرة على كامل الشرق الأوكراني لا يزال بعيدا.

ولكي يصلح الخلل قرر بوتين تعيين الجنرال جيراسيموف الذي ظل وعلى مدى العشر سنوات الماضية يعمل من أجل تحديث القوات الروسية بصفته قائدا للأركان المشتركة، ودرس أخطاء المغامرة الأميركية في أفغانستان والعراق وسوريا ويوغسلافيا القديمة وليبيا وحاول إدخال هذه الدروس في خططه. ولم تظهر أي من هذه الدروس بعد في ساحة المعركة بأوكرانيا.

ويأتي الجنرال جيراسيموف، 67 عاما، للساحة حاملا معه مجموعة من التناقضات التي تطبع القيادة الروسية. فنظراؤه في الغرب يعتقدون أنه شخصية تتمتع بالنزاهة لكنه يدفع برواية الحكومة وأكاذيبها. فقد أخبر القادة العسكريين في الغرب العام الماضي أن روسيا لا نية لديها لاجتياز الحدود إلى أوكرانيا. ولا يزال مقربا من بوتين الذي عينه قائدا للجيش منذ عقد.

وفي تصريحات نادرة قلد فيها دعاية بوتين صور جيراسيموف روسيا بأنها ضحية للعدوان الغربي بدون أن يقدم استراتيجية يشرح فيها كيفية تحييد التهديد المفترض. وفي مقابلة مع صحيفة روسية قال "بلدنا وقواتنا المسلحة تواجه اليوم وبشكل عملي الغرب كله".

وفي محاولة منه لإصلاح الجيش الروسي، رفع الجنرال جيراسيموف من أهمية تكتيكات الحروب غير النظامية التي اعتقد الجنرال مخطئا أن أمريكا تمارسها، بدلا من التركيز على ما تقوم الولايات المتحدة بعمله، أي الحروب المشتركة، وجمع قدرات عسكرية متعددة لخلق قوة ضاربة، كما يقول سيث جونز الخبير بالأمن القومي في كتابه "أخطر ثلاثة رجال".

وحصلت القوات الروسية نتيجة لهذا على خبرات واسعة في القتال التكتيكي والحيل مثل إرسال وحدات سبيتسانز الخاصة إلى أوكرانيا بدون الشارات العسكرية وإلى شبه جزيرة القرم، قبل ضم روسيا لها عام 2014. إلا أن حرب أوكرانيا تطلبت قوات عسكرية ضاربة ومواجهات بهدف السيطرة على أراض، وفي هذا الميدان لم تكن استراتيجية جيراسيموف فعالة. والجنود الذين أرسلهم لاحتلال كييف كانوا يفتقدون لأدنى الإمدادات البسيطة ولهذا توقفوا خارج العاصمة، ولم يطور قدرة الجيش للتحرك بأعداد كبيرة ومن وحدات برية وجوية وبحرية مع أن الغزو اعتمد على هذا. ووجد الروس أنفسهم في مستنقع وفشلوا في المدن الأخرى. وكاد جيراسيموف يكون ضحية تخطيطه عندما نجا من محاولة قتل أثناء زيارته القوات في أوكرانيا في نيسان، وقتل أعداد من الجنود الروس نتيجة للغارة الأوكرانية بدرجة دفعت موسكو لتخفيض مستويات زيارة القادة الروس لساحة المعركة.

وذكر فردريك هودجز، الجنرال المتقاعد وقائد القوات الأميركية في أوروبا سابقا "هذا يعود لنقص التدريب الحقيقي والتجربة العملياتية في وزارة الدفاع” و”عندما تذهب للحرب الحقيقية مثل أوكرانيا، تظهر هذه العيوب حالا". وبدت هذه العيوب في قرار سورفكين بتشرين الثاني سحب القوات من خيرسون حيث وصفه بالقرار الصعب. وقام سورفكين كما يقول المسؤولون العسكريون وإدارة بايدن بتقوية الموقع الروسي في أوكرانيا وبخاصة في الجنوب ودفع باتجاه انسحاب القوات الروسية من خيرسون متجنبا خسائر بين الجنود، ثم ركز على ما أطلق عليه العسكريون الأمريكيون "الدفاع العميق" وبناء خطوط دفاع جديدة.

وفي الوقت الذي أثارت تحركاته القلق في واشنطن وقدرة القوات الروسية على مواجهة هجمات جديدة من أوكرانيا إلا أن المدونين الروس انتقدوا الخروج من خيرسون. ولم يكن بوتين مرتاحا للخطة، ورفضها بداية. ويعتقد المسؤولون الغربيون أن جيراسيموف مع وزير الدفاع سيرغي شويغو استخدما القرار ضد سورفكين. وتوقع المسؤولون استخدام جيراسيموف وشويغو الوضع في كانون الأول وتعزيز وضعهما وسط التنافس للتقرب من بوتين. ولكنهما تحركا في هذا الشهر وهندسا عملية وقف خدمات ميدانية لسورفكين. فقد انتقدا استراتيجية سورفكين الميدانية واقترحا العودة للهجمات القوية، وبهدف السيطرة أولا على كراماتورسك في شرق أوكرانيا. وكجزء من التغييرات العسكرية الروسية في أوكرانيا فقد تم عزل الجنرال ميخائيل تيبلنسكي، القائد المهم في الجبهة الأوكرانية حسب تقييمات وحدة الاستخبارات العسكرية البريطانية.

ورأى المسؤولون الغربيون أن تعيين جيراسيموف يهدف لوقف انتقادات المدونين غير الراضين عن مسار الحرب ووقف تقدم الجماعات المسلحة من فاغنر التابعة ليفيغيني بريغوجين التي قادت العمليات الدموية في باخموت، شرق أوكرانيا. ودعم بريغوجين سورفكين بقوة في وقت يواصل فيه بوتين التأكيد على قدرة قواته السيطرة على دونباس بل وكييف، ومن هنا تتزايد الضغوط على جيراسيموف لشن هجوم عسكري ناجح هذا الربيع.