اطلق رئيس ​التيار الوطني الحر​ ​جبران باسيل​ مواقف نارية كعادته، في حديثه الاخير الذي وضع خلاله الكثير من الامور على الطاولة وتناولها بمعيار وسقف عال، كان ابرزها استهداف قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​، وعدم اختيار ايّ شخصية من داخل التيار لطرحها على طاولة المفاوضات الرئاسيّة. هذا الكلام اثار جملة من المواقف المؤيّدة والمعارضة على حدّ سواء، ولكن الاهم كان ما قيل عن "تمرّد" سيتعرّض له باسيل من خلال خروج عدد من نواب التيار عن قراره والتصويت لمن يريدون في الانتخابات الرئاسيّة، حتى ولو كان قائد الجيش.

ازاء هذا الامر، اكّدت مصادر الوطني الحر انّ كل ما يقال في هذا المجال غير مستند الى وقائع، وانما يأتي في سياق الرد على المواقف التي اطلقها باسيل، فقط لا غير. وتقول المصادر ان الواقع يفيد ان حزبيي التيار والمناصرين وبالتالي النواب المنتمين اليه لن يردّدوا شعار "رح نبقى هون مهما العالم قالوا، ما منترك باسيل وما منرضى بدالو"، التي كانت تقال مع استبدال باسيل بعون (الرئيس السابق العماد ميشال عون)، ولكنهم لن ينقلبوا على رئيس التيار الحالي خصوصاً في هذا الظرف. وتشرح المصادر الاسباب التي تؤسس لهذا الكلام منطلقة من شقّين: الاول هندسي رسمه باسيل نفسه، والثاني سياسي رسمته الظروف التي يعيشها البلد حالياً.

في الشق الاول تفيد المصادر انّ باسيل دأب منذ تسلمه رئاسة التيار، على "هندسة" البنية الجديدة للحزب التي اطمأن من خلالها الى عدم سقوط الهيكل عليه، ايّ بمعنى آخر عدم تعرضه لايّ انقلاب يطيح بكل ما بناه منذ وصول العماد ميشال عون الى الرئاسة وحتى اليوم، وقد اختبر هذا البنيان اكثر من مرّة وما حصل في الانتخابات النّيابية كان مشجّعاً، على الرغم من عدم رضا محازبين ومناصرين لخياراته، الا انهم التزموا بها ولو على مضض. وتؤكد المصادر ان قبضة باسيل بالتالي محكمة على قرارات التيار وهو مطمئن الى ان الملاذ داخل البيت، آمن.

اما في الشق الثاني، قتفيد المصادر نفسها ان رهان باسيل هو على دفاعه عن ​حقوق المسيحيين​ في موضوع ​الانتخابات الرئاسية​، وهو امر لن يرغب نوابه او حزبييه في التفريط به، علماً انه امّن الغطاء اللازم له من بكركي، وهي من المرات النادرة التي يلتقي فيها التيار و​البطريرك الماروني​ حول شأن سياسي، لانه غالباً ما كانت طرقهما متباعدة بعض الشيء، كما ان الغطاء حول أحقّية المسيحيين في المشاركة بشكل اساسي في الاستحقاق الرئاسي حظي باعتراف واضح وصريح من رئيس الحزب الاشتراكي ​وليد جنبلاط​ الذي رفض تخطّي الغالبيّة المسيحيّة في هذا الموضوع، علماً انّ النائب ​علي حسن خليل​ كان بدأ الترويج لمبدأ ايصال رئيس الى بعبدا بغالبيّة 65 نائباً اياً كان انتماءهم الطائفي والسياسي.

صحيح انّ غالبية القرارات التي يتخذها باسيل لا ترضي الجميع داخل التيار الوطني الحر، خصوصاً عندما يتعلق الامر بالمؤسسة العسكريّة، ولكنه صحيح ايضاً انّ الانقلاب على قرار اتخذه رئيس التيار في مسألة حساسة ودقيقة كرئاسة الجمهورية، لن يكون بالامر السهل نظرا ًالى ما يحمله من معان ورمزية، وبالتحديد بعد فترة كان الرئيس الاخير من رحمه، وسيكون عدم التقيد بقرار باسيل بمثابة موافقة ضمنية على تخطي قرار الحزب ككل، اي بمعنى آخر يصبح من السهولة الاستخفاف به وعدم الوقوف عند رأيه في اي من المواضيع والامور التي ستطرح مباشرة بعد انتخاب رئيس للجمهورية، على الصعد كافة. فمن الذي سيقبل بذلك؟ وسيجد معارضو باسيل داخل التيار انفسهم مرغمين على مجاراته في هذا المجال، لانه اذا ما وقع الهيكل، فلن يطال رئيسه فقط بل الوطني الحرّ ككل.