عادت منذ فترة قصيرة، مسألة التهويل بالحرب، وطالعنا الكثير من المسؤولين والمحللين وحتى الصحافيين في لبنان وخارجه بأن الحرب في الشرق الاوسط باتت على الابواب، وان علينا الاستعداد لها وكأنها واقعة لا محال. واذا كان التنجيم و"ضرب الغيب" هواية سيئة لدى البعض، فإن قرع طبول الحرب هي هواية دائمة لدى البعض الآخر، تختفي وتعود تبعاً لتسارع الاحداث والتطورات. وفي موسم الزلازل والهزات والكلام الفارغ لكثير من اصحاب الامراض المزمنة الذين يتلذّذون في اثارة الرعب والخوف في نفوس الناس من دون الاعتماد على اسس علمية، لاقى التهويل بالحرب صدى كبيراً لدى اللبنانيين الذين بدأوا يأخذونه على محمل الجد، فمن الذي يقوم بالتهويل ولماذا؟.

بداية، اكتسب الكلام عن امكان اقتراب الحرب جدية اكبر بعد كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وتهديده "بأن يد المقاومة ستمتد ل​اسرائيل​ اذا كان هناك من تلكؤ او تسويف في قضية استفادة لبنان من استخراج النفط والغاز"، وهذا سرعان ما تم استيعابه والاضاءة عليه من قبل مسؤولين لبنانيين واوروبيين. ولكن الشق الآخر من كلام نصر الله كان حول الانقسام الداخلي في اسرائيل وعدم استبعاد حصول مواجهات بين الاسرائيليين، ويبدو ان هذا الكلام كان يستند الى معطيات واقعية بدليل ما تشهده الحالة الاسرائيلية من احداث وانشقاق، ناهيك عن المواجهات مع الفلسطينيين، وهو امر بالغ الاهمية خصوصاً مع وجود بنيامين نتانياهو في الحكم.

من يهوّل بالحرب من صحافيين ومحللين وحتى مسؤولين اسرائيليين وغيرهم، يعتقد حتماً ان الامور تتجه نحو المواجهة استناداً الى تاريخ نتانياهو، الذي غالباً ما يحاول حل مشاكله الداخلية بالعمليات العسكرية لانه يجد فيها ما هو مناسب لاسنعادة الوحدة الاسرائيلية ووقوف الاسرائيليين خلفه ضد الظروف والتهديدات الخارجية. ولكن هذه المرة قد لا تسير الرياح بما تشتهي سفن نتانياهو فيما لو قرر بالفعل الهروب الى الامام، لان ايّ حرب اكانت ضد ايرن او ضد لبنان، تحتاج الى قرار اميركي وهذا امر حتمي نظراً الى الحاجة الاسرائيلية الكبيرة لهذا الدعم لوجستياً ومالياً واقتصادياً وحتى دبلوماسياً، ناهيك عن ان العلاقات مع روسيا ليست في افضل احوالها وبالتالي لا يمكن المغامرة بالتخلي عن الموافقة الاميركية على ايّ حرب مقبلة لان لا قدرة لاسرائيل على الاستمرار بها لوحدها.

وعلى الصعيد الميداني، من الصعب فهم كيفية مواجهة اسرائيل لحزب الله والفلسطينيين في الوقت نفسه، ولو انها تتمتع بقوة نارية مهمة، فكل المواجات السابقة افضت الى ان لا قدرة للجيش الاسرائيلي على التصدي لجبهتين داخلية وعلى الحدود، في اسوأ توقيت حيث الانقسام كبير والوضع الاقتصادي مرير.

اما على الصعيد الدبلوماسي، فلا يمكن للولايات المتحدة ان تحارب على الجبهة الاوكرانية والايرانية وان تفتح جبهة جديدة في الشرق الاوسط، كما لا يمكنها التخلي عن ادوارها في هذه الاماكن، وبالتالي لن تخاطر في "التقصير" في ايّ بقعة جغرافية. وما يزيد من خطورة التصعيد العسكري، الوضع المأساوي للطاقة والمواد الغذائيّة في ظل ازمة اقتصادية يحاول الغرب التعافي منها، وتستفحل شرقاً فيما خطر النازحين من اوكرانيا وسوريا (والخوف من لبنان ايضاً) يلقي بثقله على القارة العجوز التي اعلنت الاستنفار التام لمواجهة هذا الخطرالفعلي عليها.

وبالتالي، فإنه في مقابل ايجابية واحدة لاندلاع الحرب (من وجهة نظر اسرائيل وتحديداً نتانياهو)، هناك سلبيات كبيرة تقف في وجه مثل هذه الخطوة، الا في حال كانت العمليات العسكرية محدودة ومدروسة ومتوافق عليها مسبقاً مع الدول الكبرى، فعندها قد تكون بمثابة "متنفس" للوضع القائم وقد تحمل معها الحلول بالنسبة الى المنطقة ولبنان.