اؤمِنُ بِلبنانَ، وَمُدرِكٌ أنَّ الإيمانَ أكبَرُ مِنَ الحُبِّ. الحُبُّ صِنو الإيمانِ وَرُكنُهُ الأساسُ. لَكِنَّ الإيمانَ قَرارُ تَوثُّبٍ وَمَسارُ حَقٍّ. والحالُ هَذِهِ، فَما بِهِ اؤمِنُ نابِعٌ مِنَ الإعتِرافِ بِقيَمٍ والتَجاوبُ مَعَ فَيصَلٍ يُمَيِّزُ، يُطَهِّرُ، لِيَختارَ تَوَجُّبَ المُنطَلَقِ، الَذي لا تَقاسُمَ فيهِ مَعَ إمكاناتٍ أُخرى. وَمِن هُنا، المُجاهَرَةُ: اؤمِنُ بِلبنانَ... الَذي أوَّلُ ما يَقصِدُ أنَّ لا وَطَنَ شَريكاً لَهُ في إيمانيَ.

أوَلِيَّةُ لبنانَ تُمَثِّلُ فَرادَتَهُ. هَذا تَوكيدٌ مِن حُرِيَّةِ حُبٍّ قائِمٍ في قُدرَةِ البِدايَةِ الَتي تُحيطُ بِخَلقٍ مَوجودٍ. وَهَذا إقرارٌ بأنَّ لبنانَ لَيسَ عَرَضِيَّاً، وَلا إضافَةً عالِقَةً في بائِداتٍ، وَلا نَتيجَةً طارِئةً مَشفوقٌ عَلَيها فَكانَت ظَرفِيَّةً قَبلَ أن تَضعُفَ فَتُستَبدَلُ وَتَزولُ.

أوَلِيَّةُ لبنانَ، في الإيمانِ بِهِ، أنَّ الزَمانَ والمَكانَ فيهِ: حَقيقَةٌ وَمَعقولِيَّةٌ وَمِعنىً.

أوَلِيَّةُ لبنانَ، لِفَرادَتِهِ هَذِهِ، تعبيرٌ عَن يَقينٍ يَعي الخَلقَ الضابِطَ لِكُلِيَّةٍ.

أرأيتَ؟ في هَذا حَتماً أكثَرُ مِن نَشوَةِ إعجابٍ بِنَواميسَ تَتَبَدَّى، ذَلِكَ أَّنَّ ما تَعيهِ إن آمَنتَ بِلبنانَ يَرفَعُكَ في شَفافِيَّةِ وجودِهِ الى فِعلٍ فائِقٍ لا حَدَّ لَهُ. أذَلِكَ مَدعاةُ إستِغرابٍ؟ أنتَ إن إكتَفَيتَ بأنَّ لبنانَ نَتيجَةُ نَزعَةٍ لا أكثَرَ، ما بَلَغتَ إلَّا حُدوداً مِن قُصرِ نَظَرٍ. ألَم يُقَيَّضُ لَكَ إن تَوَقَّفتَ وَلَو لِبُرهَةٍ، التأمُّلَ في العَجَبِ؟ هُناكَ في العَجَبِ، سَتُدرِكُ أنَّ الأُعجوبِيَّةَ الَتي تُبَرهِنُ الكُلِيَّةَ إنَّما نابِعَةٌ هيَ مِمَّا هوَ أبعَدُ مِنَ الحُدودِ... حُدودِ المَوجودِ. عِندَها تُدرِكُ وَتَلمُسُ أنَّ لبنانَ إنَّما هوَ تَبَدِّيَ الجَوهَرِ الفائِقِ... الدافِقِ إلَيهِ، وإلَيهِ وَحدَهُ، مِن فَوقٍ.

أفي هَذا الدَفقِ الخَلاَّقِ، وَعيٌ أنَّ لبنانَ أكثَرُ مِن مادَّةٍ مُجَرَّدَةٍ، وأبعَدُ مِن مَوقِفٍ فَكرانيٍّ مَحضٍ؟ بالتَأكيدِ. لأنَّ مَن أرساهُ، فَريداً، مِن فَوقٍ، إنطِلاقاً مِن كُلِيَّتِهِ، وَضَّعَهُ أيّ مَنَحَهُ أوَلِيَّةً ذاتِيَّةً خاصَّةً لا لُبسَ فيها، مُشَرِّعاً لَهُ أبوابَ حُبٍّ أفعَلَ وَحُرِيَّةٍ أجوَدَ. مِن هَذِهِ الجُرأةِ الأسمى، يَتَجَوهَرُ الإيمانُ بِلبنانَ بُنيَةً جَوهَرِيَّةً، بِها تُجابَهُ زَمجَرَةُ الشَرِّ الَتي تَستَهدِفُهُ لا لِشَيءٍ إلَّا لِأنَّهُ، وَحدَهُ، مَبلَغُ الأقصى غَيرَ المُكَرَّرِ كَونَهُ قائِماً في المافَوقِ والهاهُنا.

هَلُمَّ نَتَقَدَّمُ بَعدُ خُطوَةً: إذا كانَ هَذا اللبنانُ الَذي بِهِ اؤمِنُ، قائِماً في حَقيقَةِ هَذِهِ الوِحدَةِ وأحَقِيَّتِها، فَكَيفَ يَكونُ تَجاوزاً لِمَضاميرَ الإدراكِ الَتي يَتَلَطَّى الشَرُّ خَلفَها ليُهَشِّمَ المَعقولَ؟.

جسارَةُ سِرٍّ

لِنَعتَرِفَ أوَّلاً أنَّ في إكبارِ لبنانَ هَذا، إعتِرافٌ باللهِ-الخالِقِ. بِهِ تُحبَطُ حَتمِيَّاتُ الشَرِّ، وَتُقاوَمُ تأويلاتُهُ، وَتُهزَمُ مُستَعصياتُهُ. وَتالِياً، مِن هَذا الإكبارِ قَصدٌ أصلَبُ مِن تَوضيحٍ صَميمٍ لِمُطلَقٍ في وجودِ.

وَفي ذَلِكَ جَسارَةُ سِرِّ لبنانَ: هوَ قائِمٌ مِنَ اللهِ، وَقائِمٌ قُبالَةَ اللهِ، وَقائِمٌ في اللهِ. لَو لَم يَكُن مَوجوداً، ما كانَ هُناكَ مِن وَطَنٍ يُلاقي اللهَ، وَيُقَرِّبُ مِنَ اللهِ، وَيَرفَعُ الى اللهِ. لا بَل، لَو لَم يَكُن مَوجوداً لَكانَ فَصلٌ بَينَ المافَوقِ والهاهُنا... وَهَذا يَؤولُ لا الى مُضاعَفَةِ الشَرِّ لِتَجارِبِهِ فَحَسبَ، بَل الى إنتِصارِهِ النِهائيِّ بِجَعلِ الكُلِّ فَريسَةَ عُقُباتِهِ.

في هَذِهِ الثالوثِيَّةِ المُزدَوِجَةِ، جَسارَةُ لبنانَ أنَّهُ يُظَهِّرُ كَيفَ اللهُ يَهِبُ نَفسَهُ لِلبَشَرِيَّة، وَسِرُّهُ أنَّهُ بِهَذِهِ المُثولِيَّةِ يَتَجلَّى بِما لا يُقاسُ.

لِذَلِكَ... هوَ إيمانيَ!

اؤمِنُ بِلبنانَ جَذرُ قِوامِ اللهِ العَميقِ.

اؤمِنُ بِلبنانَ جَذرُ إلتِماسِ البَشَرِيَّةِ المُلِحِّ.

اؤمِنُ بِلبنانَ... وَيَقيني: جَذرُهُما المُشتَرَكُ نِضاليَ.