كان من المفترض ان يقطع ​المجلس الدستوري​ الشكّ باليقين حين يصدر قراره بمصير الانتخابات البلديّة والاختياريّة التي كانت على طاولته، ولكن ما حصل هو ان الغموض زاد غموضاً بالنسبة الى هذه الانتخابات وامكان حصولها. فقد اعلن المجلس قراره القاضي "بتعليق مفعول قانون التمديد للبلديات ريثما يدرس الطعون المقدّمة أمامه"، وحدّد مهلة درس هذه الطعون بمدة اسابيع قليلة.

المشكلة تكمن في التوفيق بين الرغبات والواقع، وقد كان من المتوقع والمحبذ والضروري ان يقبل المجلس الدستوري بتعليق العمل بقانون التمديد للبلديات، لانه من صلب واجبات القانون حماية الديمقراطية والاستحقاقات الدستورية ودعم حصولها في مواعيدها المحددة، ومن غير الطبيعي والمنطقي ان يشجع المجلس الدستوري على مخالفة الدستور والا اصبح عرضة للتشكيك بعلّة وجوده اصلاً. ولكن القرار انتج غيمة كبيرة فوق مصير الانتخابات، فاللجوء الى اسابيع لاتخاذ قرار حول طعون مقدمة امامه عن الموضوع نفسه، ومن قبل جهات مختلفة واسباب مختلفة، يفتح الباب امام احتمالات كثيرة. كما ان الواقع لم يتغيّر ان من الناحية التشريعية او التنفيذية او الاقتصادية والمعيشية، وبالتالي ما الذي يقدّمه القرار عملياً؟.

تعلق مصادر مطّلعة على هذا السؤال وتقول انّه لا يمكن القول انّ المجلس الدستوري أعاد الكرة الى ​مجلس الوزراء​، لانّه اكتفى بخطوته الاولى بتعليق العمل بالقانون، ولم يحدّد اي امر آخر يتعلق بالبنود التي يتم الطعن بها. واذا تم بالفعل البت بالطعون، فالامر يتوقف عند المهلة التي سيأخذها المجلس لاصدار قراره، علماً ان المساحة ضيقة جداً لان ولاية المجالس البلديّة تنتهي آخر الشهر الجاري، وستتسع دائرة الفراغ الذي سيمتدّ من قصر بعبدا الى كل بلديّة في لبنان وهذا امر بالغ الاهميّة ولا بد من معالجته. وتضيف المصادر نفسها: بما انّ الطعون مقدّمة من جهّات سيّاسية مختلفة، فإن اي قرار للمجلس الدستوري سيكون موضع شك من قبل الطرف الذي لن يستسيغ هذا القرار، وسيصدر حتماً كلام عن ان قرارات المجلس لا تهدف الى مراعاة هذا الطرف او ذاك وهي تستند فقط الى القانون، ولكن الاتهامات التي طالت المجلس في فترات سابقة واعاقت عمله في اكثر من مناسبة، ستحضر بقوة على الساحة وسيجد نفسه امام معضلة قديمة-جديدة.

ازاء هذا الواقع، تفيد المصادر، أنّ الحل قد يكون عبر اعتماد "عصف ذهني" ليس فقط من قبل القضاة، بل سيكون رئيس ​المجلس النيابي​ نبيه بري حاضراً ايضاً لسببين رئيسيين: الاول انه غالباً ما يجترح الحلول في اللحظات الاخيرة التي تؤدي الى ايجاد المخارج المناسبة للجميع، وثانياً لانه سيتفادى تلقف الكرة الملتهبة في مجلس النواب، كما تفاداها حين كانت عالقة بينه وبين مجلس الوزراء.

وتتابع المصادر انه في حال عادت الامور الى ما كانت عليه قبل القانون الذي صدر عن مجلس النواب، فسنعود الى الحلقة الفارغة نفسها، مع فارق مهم واساسي وهو انّ ولاية ​البلديات​ تكون قد انتهت ولن يكون هناك من سيتخذ المواقف في المناطق والقرى اللبنانيّة، وستعمد الاحزاب والتيارات والقوى السياسية الى تجييش الشارع لخلق واقع ضاغط، وعندها ستتجه اصابع الاتهام كلها نحو المجلس الدستوري، وهذه الامور لا يمكن الاّ ان تكون في اذهان اعضاء هذا المجلس.

اما من الناحية الميدانية، فلا تزال العوائق نفسها ان لجهة تأمين الاموال، او تأمين المستلزمات اللوجستية والاداريّة والبشريّة، في حين انّ عامل الوقت يزداد قوّة ويلقي بكامل ثقله على وزارة الداخليّة وكل الموظفين والوزارات الاخرى المعنيّة، ناهيك عن القوى الامنيّة، ولن تنفع عندها تطمينات وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال ​بسام المولوي​ في تبديد هذا القلق.

الواقع اننا اصبحنا امام معضلة كما في الشق الاخير من الافلام، حيث تكبر "المصيبة" الى حد التعقيد قبل ان تجد طريقة سحرية لحلها، وفي لبنان غالباً ما تكون الطريقة السحرية هي "التسوية" وايجاد الارضية التي تناسب الجميع ولو اختلفت نسبة القبول، على ان يتم الانتقال مباشرة ومن دون ايّ فاصل، الى مشكلة اخرى تحمل لقب "الاولويّة".