تجدّدت الخلافات العقارية بين المناطق اللبنانية وسقط المزيد مؤخراً بسبب الخلاف بين منطقتي ​بشري​ والضنّية حول ملكيّة أراضي ​القرنة السوداء​ ومياهها، وهو ما أعاد الى الواجهة من جديد ملفّ التنازع العقاري في أكثر من منطقة لبنانية، لتتحرك حكومة تصريف الأعمال مع إعلان رئيسها ​نجيب ميقاتي​ عن تشكيل لجنة لدرس مسألة النزاعات بين الحدود العقارية والنزاعات على المياه في أكثر من منطقة عقاريّة.

قرّر ميقاتي تشكيل لجنة تضم ممثلين عن وزارة البيئة، وزارة الطاقة والمياه، وزارة المالية، وزارة العدل، مجلس الإنماء والإعمار، المشروع الأخضر و​قيادة الجيش​، مهمتها درس موضوع الحدود العقارية بين بشري والضنية، القبيّات والهرمل، فنيدق و​عكار العتيقة​، أفقا ولاسا، اليمّونة و​العاقورة​، كما درس كيفية توزيع المياه والاستفادة منها في مناطق النزاع في حال وُجدت، وبشكل خاص كيفيّة الاستفادة من مياه القرنة السوداء، ووضع تصور لحماية البيئة وتحديد المناطق المحميّة، واقتراح الحلول الدائمة والعادلة للمشاكل المشار اليها وفقاً للقوانين والانظمة المرعية الإجراء.

في خضمّ الحديث عن التقسيم والفدرلة في لبنان تبرز مشكلة الخلافات العقاريّة بين أكثر من منطقة، ليصبح السؤال عن جدوى التقسيم مشروعاً، فإذا كان خلاف عقاري بين منطقتين متجاورتين يؤدّي الى سقوط ضحايا، فكيف يكون المشهد بحال قرر اللبنانيون تقسيم البلد أو فدرلته، وهل هناك من يتخيّل أنّ الصراع الطائفي لن ينفجر عند أول استحقاق جدّي، وكيف يمكن تقسيم بلد هناك خلافات كبيرة حول حدود مناطقه العقاريّة، وبظلّ تداخل طائفيّ في غالبية المحافطات اللبنانية؟.

يعود النزاع بين القرى المتجاورة بسبب الاراضي غير الممسوحة الى الواجهة بلباس طائفي كالعادة، وما يجري بين بشري وبقاعصفرين ليس وليد الحاضر، فبعد أن تصاعد الخلاف عام 2019 على خلفيّة انشاء "بركة" مياه في منطقة سمارة، في اعالي جرود بقاعصفرين، ها هو يُطل من جديد مسقطاً قتيلين، في توقيت حساس للغاية من عمر لبنان الذي يعيش أزمة دستورية غير مسبوقة.

هذا الخلاف الذي اشتعل ليس يتيماً، ففي لاسا وأفقا ضمن نطاق محافظة ​جبيل​ خلاف مماثل، كذلك بين ​القبيات​ والهرمل، وهنا لا نسعى للبحث في تاريخ الخلاف وأصله وتداعياته، إنما الهدف الإشارة الى أزمة الثقة التي تعيشها الطوائف في لبنان، والخوف من الآخر، واعتبار أن كل آخر هدفه "سرقة" مكتسبات وحقوق الآخرين.

في العام 2019 حاولت لجنة مشتركة بين وزارتي الزراعة والبيئة، التدخل لحل النزاع بين بشري والضنية، لكنها لم تنجح، وهذا ما يُثير أسئلة حول جدوى قرار رئيس الحكومة، فاللجان في لبنان معروفة بأنها مقبرة للقوانين، وبالتالي للملفات الحساسة، وبحسب مصادر متابعة فلن يكون من السهل على اللجنة التي تضم أطياف المجتمع الطائفيّة أن تصل الى حلول، ففي هذه النزاعات يُفترض بالقانون أن يكون الحكم، لكن بلبنان يفترض أن يتواءم القانون مع مصلحة الطوائف، بمعنى أن النزاع لن يُحسم بشكل يؤدّي الى انتصار طائفة على أخرى، لا لأن هذه النتيجة هي السليمة، إنّما لأنّ تركيبة البلد تفرض ذلك.

ترى المصادر عبر "النشرة" ان تشكيل اللجنة كان لمحاولة تهدئة النفوس، إنما ولحل خلافات كهذه يفترض أن يكون البلد في حال استقرار سياسي وطائفي، وهو ما ليس متوفراً حالياً، علماً أن أول اعتراض صدر عن رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي قال: "ملف تحديد الحدود العقاريّة في منطقة القرنة السوداء، هو بعهدة السلطة القضائيّة منذ ثلاث سنوات، وأعمال المسح والتحديد تجري على قدم وساق، ولو ببطءٍ. فحبذا لو نفهم هذا القرار الذي أصدره ميقاتي متجاوزاً فيه كل حدود السلطة"، وهذا الاعتراض لن يكون يتيماً.

بعد هذه الإعتراضات، اشار مكتب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى انه "وفي ضوء ما اثير من اعتراضات ومزايدات، فإن ميقاتي اتصل برئيس اللجنة وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، وطلب منه التريث في دعوة اللجنة الى الانعقاد، وبالتالي تجميد عملها، كما اتصل بوزير العدل هنري خوري وطلب منه متابعة الملف مع مجلس القضاء الاعلى لتسريع البتّ بالملفات القضائية ذات الصلة".