كِفايَةُ الوَطَنِ لَيسَت في مَن يَتَغنَّى بِهِ، بِتَراقُصِ فَرَضِيَّاتٍ. الوَطَنُ بِحاجَةٍ لِمَن يَصوغُهُ مِن داخِلِ أنظِمَةٍ لِلعَقلِ. تَناسُقُها بَينَ إكتِفائِيَّةِ العُمقِ وَسُكنى القَداسَةِ. أجَل! إن لَم تَكُن السيادَةُ لِلهِ، فَلَيسَ الوَطَنُ بِشَيءٍ. ذُراهُ صِياغَةُ قِدِّيسينَ. وَبُلوغُها، مَسيرَةٌ بَينَ البِرِّ والبَهاءِ.

هذا الُلصوقُ باللهِ، قاساهُ لبنانُ، في مَراحِلَ صِوغِهِ، شَهادَةً وإستِشهاداً. وأبرَزُ مَجروحِيهِ، بَينَ السَماءِ وَشَجَرِ الأرضِ، المَوارِنَةُ، إذ تَنَقَّلَت رؤيَتُهُمُ بَينَ الكائِناتِ، حَيَّةً وَجامِدَةً، لَتَتَّحِدَ في صَفاءِ الوجودِ، وَقَد قاسَتِ الظُلمَ الوجودِيَّ لِمُتَتالِياتٍ. وَظلُّوا راسِخينَ في أمَّوِيَّتِهِم هَذِهِ مِن وَعرِ لبنانَ الى المَعامِرَ الأرضِيَّةِ، بِقُدرَةِ النَقاوَةِ فيهِمِ على المَعرِفَةِ، بِوَجهِ الإرتِكاباتِ بإسمِها، في تَوقٍ لِلتَكامُلِ وَكُلِّ نَفسِ تائِقَةٍ لِتَكونَ وَطَناً.

في هذا، كانَت رَسولِيَّةُ المَوارِنَةِ، في لبنانَ وَمِنهُ، الكاشِفَةُ مَطَلَّاتِ الخالِقِ لِخَليقَةٍ لا تَبلُغُ جَوهَرَها إلَّا فيهِ.

هو الوجودُ لِلجَوهَرِ مُصَلَّى؟ مِن ضيقِ رُقعَةٍ جُغرافِيَّةٍ الى سَحيقِ الأقاصيَ، إعتَنَقَ المَوارِنَةُ لبنانَ-الوجودَ، قُرباناً. وَفي فِعلِ الإنتِسابِ هذا تَكريسُ العالَمَ فِردَوسِيَّاً. لا مُتخاذِلاً مَسحوقاً، بَل قَوِيَّاً حَدَّ المُعجِزَةِ.

أفي الشُمولاتِ تَوكيدُ خُصوصِيَّةِ لبنانَ هَذِهِ؟ مِنَ الجَحيمِ، حَيثُ الأبوابُ موصَدَةٌ، تأهُّبُ الإنبِثاقِ.

مَن قالَها؟

البابا فرَنسيسُ، الآتيُ "مِن أقاصيَ الأرضِ"، في زيارَتِهِ لِمَقلِبِها الآخَرِ، لِمُنغوليا، الأرضُ الكانَت إمبراطورِيَّةً مُرعِبَةً عَصَفَت عُصوراً بالعالَمِ رُكاماً، شَهِدَ.

أنَنسى كَشفُهُ: "هُناكَ خُبُراتُ الألفِيَّةِ الأولى، التي بَدأت بالحَرَكَةِ التَبشيرِيَّةِ لِلكَنيسَةِ ذاتِ التَقليدِ السُريانِيِّ التي إنتَشَرَت على طولِ طَريقِ الحَريرِ"؟.

هي الكَنيسَةُ المارونِيَّةُ-الُلبنانِيَّةُ.

مِنها المُرسَلونَ بأسمائِهِمِ المَنسِيَّةِ مَعَ موفَدي الأحبارِ الأعظَمينَ، الى إمبراطورِيَّةِ جِنكيز خان، مُقارِعو أهوالِ الوصولِ وَتَهديداتِ الخُصومِ. سَعيُهُمُ لاسياسِيٌّ بَل كَشفٌ لِلحُجُبِ عَن وَجهِ اللهِ، المُرسِلِ إبنَهُ وَحدَهُ "القادِرُ على تَخفيفِ عَذاباتِ البَشَرِيَّةِ الجَريحَةِ".

الإيمانُ الأُمَّوِيُّ

هوَذا الإيمانُ الأُمَّوِيُّ المُعاشُ نَشَروهُ، وَسطَ التَقاليدَ الشامانِيَّةِ المُستَمَدَّةِ مِنَ الفَلسَفَةِ البوذِيَّةِ. إندَثَرَت الإمبراطورِيَّةُ الشاسِعَةُ، وَما فَلِحَت، فيها وَمِنها، سياساتُ التَعَسكُرِ بِتَكوينِ تَحالُفات الشَرقِ-الغَربِ... وَها البابا فرَنسيسُ يُعلي صِياغاتِهِ الحَيَّةِ:

-"إنَّ رَفعَ أعيُنِنا لِلسَماءِ الزَرقاءِ الأبَدِيَّةِ التي بَجَّلتُموها دائِماً، يَعني البَقاءَ في الإنفِتاحِ المُطيعِ لِلتَعاليمَ الدينِيَّةِ. (...). بالتَأمُّلِ في آفاقٍ لا نِهايَةَ لَها وَقَليلَةَ السُكَّانِ، تَكوَّنَ في شَعبِكُمُ مَيلٌ إلى الواقِعِ الروحِيِّ، الَذي يَصِلُ إلَيهِ الإنسانُ بِتَثمينِ الصَمتِ والحَياةِ الداخِلِيَّةِ. وَجلَالُ الأرضِ الأَنتُمُ فيها، بِظَواهِرِها الطَبيعِيَّةِ المُتَعَدِّدَةِ، يَبعَثُ في النَفسِ مَشاعِرَ دَهشَةٍ، توحي (...) بالقُدرَةِ على التَجَرُّدِ مِن كُلِّ الزَوائِدَ".

-"يَقولُ أحَدُ أمثالِكُمُ: تَمضي الغُيومُ، وَتَبقى السَماءُ".

-"وَعَرِفتُ أيضاً رِوايَتَكُمُ الجَميلَةُ suun dalai ijii: الأُمُّ ذاتُ القَلبِ الكَبيرِ كَبَحرٍ مِنَ الحَليبِ. وَفي "تاريخِ مُنغوليا السِريِّ"، جاءَ نورٌ مِن فُتحَةِ الخَيمَةِ (ger) العُليا، لِيَتُمَّ حَمْلُ المَلِكَةِ Alungoo. وَيُمكِنُكُمُ أن تَروا في أُمومَةِ مَريمَ البَتولِ فِعلَ النورِ الإلَهِيِّ المُرافِقِ مِنَ العُلَى خَطَواتِ كَنيسَتِكُمُ".

أجَل! ثالوثِيَّةُ التَجَرُّدَ في الأرضِ، والكَينونَةَ في السَماءِ، والنورَ الرابِطَ بَينَهُما تَجَسُّداً، مِن مَريَم َسَيِّدَةِ الزُروعِ وَسَيِّدَةَ الدُرِّ، ما إلَّا لِلمَوارِنَةِ إلمِن لبنانَ، أن يَحمِلوها ذُخراً. فَبَقِيَت أُمَّوِيَّةً تَشهَدُ لِحُضورِ اللهِ الخَفِرِ في الوجودِ والجَوهَرِ.

أهَذا النِظامُ الصَمِيمِيُّ هو الوَجهُ الآخَرُ لِطَريقِ الحَريرِ؟ بَل إمتِدادُ عُمقِ المَلَكوتِ لِكُلِّ طَريقِ تَلاقيَ الدِماءِ وَدَمَّ الفادِيَ، في مَوكِبِ قَداسَةٍ حَريرُهُ ثَوبُ عُرسِ لانِهائِيٍّ.