شدّد الخبير الاقتصادي والمصرفي ​نسيب غبريل​، على أنّه "لا يمكن الحديث عن تحديد عدد المصارف الّذي يجب أن يبقى بعد إعادة هيكلة ​القطاع المصرفي​ بشكل مطلق، خصوصًا أنّ عدد المصارف كان يعكس قبل الأزمة في ​لبنان​ حجم الاقتصاد وحركته والإنتاج والاستهلاك والاستيراد والتّصدير. وبعد الأزمة، من المفروض أن يعكس حجم القطاع المصرفي حجم كلّ هذه المعطيات الاقتصاديّة، وليس عمليّة الهيكلة بل الحركة الاقتصاديةّ ككل، وتدفّق رؤوس الأموال والطّلب على الخدمات المصرفيّة".

وأشار، في حديث صحافي، إلى أنّ "تحديد أعداد المصارف الّتي يجب أن تبقى بعد الهيكلة مضلّل برأيي ولا ينفع، وكأنّ هناك منحى لتحجيم القطاع المصرفي، بغضّ النّظر عن إصلاحات أو إعادة رسملة ومواضيع تقنيّة أخرى مطلوبة".

وركّز غبريل على أنّ "من الصّحيح أنّ هناك أزمة ثقة بين المودع والمصارف، ولكن من الوهم اعتبارها أنّها مقتصرة على الجانبين، بل هي أوسع من ذلك، وجاءت نتيجة عدم تطبيق ​الدستور​ والقوانين، وعدم احترام فصل السّلطات وعدم تحقيق هدف استقلاليّة القضاء ودعم قدراته، وعدم مكافحة التهرب الضريبي، وعدم تفعيل الجباية ومحاربة التّهريب والتهرب الجمركي على الحدود وبالاتجاهين".

وأكّد أنّها "مشكلة حوكمة وإدارة رشيدة وسوء إدارة القطاع العام، ولا سيّما المؤسّسات ذات الطّابع التّجاري، كل هذه العناصر أدّت إلى أزمة الثّقة، وليست أمورًا تقنيّة لها علاقة بالاقتصاد كما يحاول البعض التّرويج"، معتبرًا أنّه "حتّى لو تمّت إعادة الهيكلة للقطاع المصرفي وكلّ مكوّنات القطاع الخاص في لبنان، لن تعود الثّقة إذا لم يحصل تطبيق للقوانين والتزام بالمهل الدّستوريّة واحترام الدّستور، والتّرويج لجانب واحد يحجب الصّورة الأكبر".

كما ذكر أنّ "هناك مشاريع قوانين موجودة في مجلس النّواب مثل مشروع قانون ​الكابيتال كونترول​ وإعادة التّوازن للقطاع المالي، ومشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي الّذي لم يصل بعد إلى مجلس النّواب... وإقرار هذه القوانين كلّها هو من يقرّر مَن سيبقى في السّوق من مصارف، ويرسم كيفيّة استعادة الثّقة بالقطاع".

ولفت غبريل إلى أنّه "في حال تمّ سؤال القطاع المصرفي عن رأيه في هذه الملفّات فسيصل الجواب، لكن لا أحد يقف عند رأيه على ما أعتقد. ومن المفروض عندما تبدأ دراسة مشاريع القوانين، وأن تأخذ اللّجان النّيابيّة برأي ​جمعية المصارف​ وجميع المعنيّين، إذ لا يمكن إقرار قوانين لا تعكس الواقع وحاجات القطاع المصرفي، فإنّ كفّة حقوق المودعين والمصارف في جهة واحدة، وهذا أمر واضح".

وبيّن أنّ "ما يجب مواجهته، هو اللامبالاة والمماطلة والتّعطيل الّتي تمارسها السّلطة السّياسيّة"، موضحًا أنّ "المادّة 113 من قانون النقد والتسليف واضحة لجهة أنّها تنصّ على أنّه في حال كانت هناك خسائر في ​مصرف لبنان​ ولا يملك الاحتياطي المطلوب، على خزينة الدّولة تغطية هذه الخسائر. بمعنى أنّ الدّولة هي المسؤولة عن خسائر مصرف لبنان، والكلام عن مواجهة بين المودعين والمصارف حلّه في هذه المادّة".

ورأى أنّ "النّقطة الحسّاسة في إعادة الهيكلة هي مصير الودائع، و​صندوق النقد الدولي​ اعترف في تقريره الصّادر في حزيران الماضي، أنّ لا قابليّة سياسيّة في مجلس النّواب لإقرار مشروع قانون يؤدّي إلى شطب 60 مليار دولار، وأنّ الحكومة لم تستطع إقناع الرّأي العام والمودعين بهذا الموضوع، بناءً على نقطة أساسيّة هي أنّ هناك خسائر في مصرف لبنان توازي 70 مليار دولار". وأشار إلى أنّه "إذا تمّ تفعيل وتحسين الإدارات العامة ذات الطّابع الإنتاجي، فالفجوة ستتقلّص نتيجة استخدام جزء من إيرادات هذه المؤسّسات للتّعويض على المودعين".