ما من عاقل ومراقب منصف وموضوعي يقبل بالذي حصل من أعمال شغب وعنف على الطريق المؤدية إلى السفرة الاميركية في محلة عوكر-الضبيه على يد متظاهرين وفدوا من الشمال والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية والجبل.

إن الاحتجاج على ​سياسة​ واشنطن العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، وشدها الدائم على يد ​إسرائيل​ لتستكمل مجازرها بحق المدنيين في غزه واجب وطني وقومي. لكن ان تنزلق التظاهرات وتنحرف عن مسارها فالمسألة فيها نظر. لأن ممتلكات الناس وامنهم تبقى خطا احمرَ يمنع تجاوزه. وما حصل في المنطقة يومها اساء إلى قضية فلسطين أيّما إساءة، ويجب الا يتكرر مثل هذا الأمر لما قد ينتج عنه من عواقب كارثية لا تحمد عقباها.

إلا أن ما قاله المسؤول القواتي ​شارل جبور​ في معرض تعليقه على الاحداث هذه، هو أخطر من الاحداث بحد ذاتها. فهو يخاطب شريكه آلاخر في لبنان ويقول انه يرفض هذه الشراكة، واصفا اياه بابشع النعوت وانه لا يشبهه البتة، ويدعوه إلى عدم المجيء إلى المناطق المسيحيّة ليعيش كل فريق بمعزل عن الآخر. وعلى طريقة جبران خليل جبران، ولكن بأسلوب محوّر وممسوخ ومرفوض يقول: لكم مناطقكم ولنا مناطقنا. وفي " التقريش" السياسي لهذا الكلام يعني أن جبور يدعو إلى التقسيم ولأنّ يقيم كل مكون دولته الخاصة به. وهو لم يقل ماذا سيفعل بالمسيحيين في الجنوب والبقاع ومناطق عدة في الشمال، وهم الاصيلون في بلداتهم وارضهم؟.

لا شك أن جبور تحدّث بلغة مباشرة، صادقة، وكشف ما كانت تضمره "​القوات اللبنانية​" منذ سنوات طويلة، خصوصا بعد اغتيال الرئيس ​بشير الجميل​ رافع لواء 10452 كلم٢، ومن الصعوبة إقناع المتابعين أن جبور تفوه بمثل هذا الكلام الخطير من دون ايعاز قيادته.

ثمة من يقول ان المسؤول القواتي أراد شدّ عصب الشارع المسيحي، وخصوصا فئة الشباب على أبواب الانتخابات الجامعيّة التي حقّقت فيها القوات نصرا كبيرا جدا. وثمة من يقول ان كلامه كان موجها للشيعة و"​حزب الله​" و"امل" و"​الحزب السوري القومي الاجتماعي​" وبقايا اليسار، لكنه تحدث عن المتظاهرين بصيغة الجمع ولم يميّز بين سنّي وشيعي ودرزي، علما أن كل الطوائف ممثلة في التظاهرة. ربما هذا هو التوجه الرسمي لسياسة القوات كلّف جبور باظهار عيّنة منه لقياس ردّات الفعل لدى الطوائف الأخرى. وكانت التظاهرة بحماقتها البوّابة التي نفذ منها ليدلي بما أدلى. وغير صحيح أن الموقف هو ابن ساعته. ولا تستطيع القوات أن تجد تبريرا له سوى انه خطابها الرسمي.

شارل جبور بخطابه الاخير، قد يكون رأس حربة في خطّة تهدف إلى توسيع رقعة هذا الخطاب في الاوساط المسيحيّة، لاعتقاد القوات انها أصبحت في وضع سياسي، شعبي وميداني، تسمح لها بفرض ايقاعها على المشهد العام بالإتّكاء على هذا الخطاب الخطير الذي لا يمكن التكهن بمفاعيله في السياسة وعلى الارض.