يشهد العالم حروبًا تحت عناوين ومضامين متعددة، منها الدمويّ ومنها الماديّ، والبعض الآخر معنويّ. نعيش حروبًا مع أعداء منظورين وغير منظورين. حروب شيطانيّة بكلّ ما للكلمة من معنى، صراع فاضح بين الخير والشرّ.

شرقنا يعيش أزمة مصير، وأزمة وجود، في حين أن الغرب يعيش أزمة هويّة نتيجة تفلّت الحرّية، لدرجة أن هناك جنوحًا عند بعض البشر ليغدو في مصافّ الحيوانات، ولم يعد هناك قيمة ومفهومٌ لخلق الله، "وَلكِنْ مِنْ بدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ" (مرقس 10: 6).

مؤخّرًا، حدّثني فريد، ابن الـ14 عامًا، الذي هاجر مع أهله إلى كندا منذ ثلاث سنوات، عن رفضه البقاء في صفّه، خلال الحصّة المخصّصة لتوجيه الأولاد حول حرّيتهم الجنسيّة، وحرّية قراراتهم وتصرّفاتهم وما إليه. قال فريد لمعلمته: "أنتم تؤمنون بالحرّية، وأنا بدوري أؤمن بيسوع المسيح وتعاليم الإنجيل، ولا أريد أن أبقى في الصف للاستماع إلى ما ستقولونه". وكان قراره وجرأته حافزين لمغادرة أكثر من تلميذ معه.

ما بتنا نسمعه، بقوة، عن هذا الواقع في الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبية متعددة، لهو دليلٌ واضحٌ أن الحرّيات التي ينادون بها في معظم المدارس والجامعات، باتت حرّيات متفلّتة، حرّيات مُشوّهَة ومُشوّهِة، هدفها الأول والأخير ضرب مفهوم الجنس البشري بأكمله، لدرجة أن بعضًا، لا ينادي فقط بالتحوّل الجنسي، إنما التحوّل إلى حيوانات، ولا سيّما الكلاب. في حين، أنّ ما من حصّة تنادي وتدعو الطلّاب وتشجّعهم على عيش الأنجيل، في بلدان تدّعي المسيحيّة، والمسيحيّة منهم براء.

استغرب كيف أن دولًا، يحلف رؤساؤها يمين الرئاسة، على الكتاب المقدّس، في حين أن هذا الكتاب بعهديه يعلّم ضدّ المثليّة، وينبّه من كل أمر يُسيء إلى مفهوم الجنس البشري وخلاصه. فأيّ إيمان وأيّة تقوى عند هؤلاء؟ إن القاعدة باتت شواذًا والشواذ قاعدة! فهل نحن من أتباع القاعدة أم الشواذ؟.

على الصعيد البيولوجي، أنا أفهم أن هناك تشوّهات وهرمونات قد تتوالد مع الإنسان، والأهل اليقظون قد يسعون ويبادرون إلى معالجة هذا الخلل، ومعهم المؤتمنون على خلاص الناس، ولا سيّما المرجعيات الدينيّة. إنما أن نترك الأمور على ما هي عليه، للإهمال والتقصير حينًا، ولأهداف مشبوهة أحيانًا، لهو أمرٌ في غاية الخطورة على الجنس البشري بأكمله. لذا تبقى العائلة المتماسكة والتقيّة الملاذَ الأمين لضبط التفلّت الأخلاقي، بمساعدة قامات روحيّة، والاستعانة بالطب النفسي والطب الاختصاصي لمعالجة حالات من هذا القبيل، دون التردد والتراجع والحياء. كلّ جهة مسؤولة عن معالجة الأمور حتى لا يتحول الباطل إلى حق.

إنطلاقًا من مغريات الغرب واستيراد سيّئاته، هناك للأسف، مَن يسعى عندنا لسنّ تشريعات، تحت عناوين متعدّدة، بغية كسب صوت انتخابي أو شعبوية "غبيّة"، يساندها إعلام وإعلاميّون مأجورون وأصوات نشاز، يروّجون لحضارات غربيّة، والغرب ليس كلّه موافقًا على هذا المنحى الانحلالي. باتوا عبيدًا، بالمطلق، لأسياد هذا الدهر، الذين فرضوا سطوتهم المادية، لمفهوم جديد للأخلاقيات، ومفاهيم في الأمور السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى الأدبية، ويدافعون عن الباطل في وجه الحق.

الشواذ بات طاغيًا والشر قد يغلب موقتًا، ولن يفوز في النهاية، وقد قال لي أحد الأخوة الكهنة في أميركا، إن الولايات المتحدة قد تفرض يومًا عقوبات على كل دولة لا تتماشى وتشريعاتها، "إنها أجندة شيطانية، لكنها لن تدوم بإذن الله". إنها فعلًا حرب "ضروس" تُشنّ على البشرية، والمنظّم والموجّه لهذا الإجرام واحد، في غزّة وفي العالم أجمع.

ما هذه الحروب والظواهر الخطيرة التي تواجه العالم اليوم؟ إلى أين تتّجه البشرية؟ ما هذا المفهوم للحرّيات؟ حتى الكنائس المحافظة والتقليدية في هذه الدول، خائفة من أن يُفرض عليها تشّريعات خارج العقائد والإيمان الذي تعتنقه وتؤمن به، ولكنها صامته ولم تعلن مواقف واضحة وجريئة، على غرار الدولة والكنيسة الروسية، وربما لإحدى هذه الأسباب، يدعم الغرب أوكرانيا في وجه روسيا!.

هذه المثلية، على كافّة الصعد والمستويات، والتي باتت سمة العصر الحديث، بدأت تدخل وتطرق أبواب مجتمعاتنا بقوّة، وللأسباب التي ذكرت. والأخطر أن أبناء هذا البلد يهاجرون إلى تلك الدول، ناشدين الأمن والأمان. واذ بهم يتفاجأون بمجتمعات لم يعد فيها مكان لمفهوم الخلق، حيث الله خلقنا ذكرًا وانثى، "وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ" (تكوين 1: 28). فلنحصّن عائلاتنا حتى نواجه كل التحديات أينما حللنا. حان الوقت الذي فيه ننتفض ضد هذه الظواهر الغريبة في مجتمعاتنا، وقيمنا، ومبادئنا، وأخلاقنا، وإعلامنا، وفي كل مكان، بمحبة حينًا وبالحزم احيانًا.

وبدلًا من دعوة الأولاد للحرية المتفلّته، فلنسعَ معهم إلى الأخلاق الحميدة، التي تحفظ البشرية كما أرادها الخالق.

أختم بأسطر للأب رامي ونّوس (كاهن رعيّة القدّيس جاورجيوس في برمانا)، كتبها ضمن هذا السياق: "هناك خطرٌ داهم يحيق بنا، فلنكثّف جهودنا، ولنتعاضد ولننكبّ على بحث هذا الموضوع. الآن أوان العمل قبل فوات الأوان على مجتمعاتنا وعائلاتنا. نحن بحاجة ماسّة إلى موقف حقّ".