تحتدم المعركة بعد مرور ما يزيد عن 20 يوماً على انطلاقتها في 7 تشرين الأول الفائت، وتقف المنطقة برمّتها على شفير حرب إن اندلعت فلن تكون كسابقاتها، بظل تصعيد عسكري وكلامي من المحور الذي تحتل ​إيران​ فيه مركز الصدارة، ويضم ​حزب الله​ اللبناني الذي يصعّد من عملياته العسكرية على الحدود دون الدخول في حرب واسعة.

منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى انقسم الرأي العام العربي، ومعه بعض الرأي العام اللبناني حول دور إيران والدول العربيّة في هذه الحرب، فعندما كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تصعد من نبرة التهديدات على لسان وزير خارجيتها ​حسين أمير عبد اللهيان​، طُرحت الكثير من التساؤلات، عن مدى استعداد طهران لدخول الحرب الى جانب غزة، وهذا السؤال الذي يطرحه خصوم إيران من العرب واللبنانيين، بمقابل أسئلة من داخل الفريق الآخر الحليف لإيران عن "دور" الدول العربيّة فيما يجري في غزة.

بدا لافتاً حجم الإتّكال الشعبي العربي على محور المقاومة لدعم غزة، وحجم تقاذف المسؤوليات بين الشعوب العربيّة، إذ يطالب الأردنيون الرئيس المصري للتحرك، بينما تضع نخب مصرية المسؤولية عند حزب الله وإيران، فالكل يرفض تحمل مسؤوليّاته تجاه شعب يُقتل ويُباد بواسطة الآلة الحربية الاسرائيلية.

تحركت الجبهة اليمنيّة ضد اسرائيل، وقطعت بوليفيا العلاقات الدبلوماسية مععها، واكتفت بعض الدول العربيّة القوية والقادرة بإصدار بيانات الاستنكار بعد كل مجزرة في غزّة، وبات الجميع بانتظار ما سيقوله أمين عام حزب الله ​السيد حسن نصر الله​ الجمعة.

طرح التساؤلات حول الموقف والدور لا يقف عند حدود الفريقين المتخاصمين بالمنطقة، بل امتدّ ليشمل أبناء الفريق الواحد في محور المقاومة، فهؤلاء يؤمنون بغياب العرب الكامل عن دعم ​القضية الفلسطينية​، والتخلّي عنها علانيّة، وبالتالي عدم جدوى مطالبتهم بأيّ تحرك نصرة للفلسطينيين، لكن بالمقابل، حول دور إيران تبرز وجهتا نظر داخل هذه البيئة، وهنا لا نتحدث عن خصوم المقاومة ومعارضيها، بل ضمن البيئة الواحدة الداعمة للمقاومة وخياراتها.

في البداية لا بدّ من التسليم بأن أحداً لا يرغب بالحرب وتداعياتها، فالحروب لم تكن يوماً مطلب الشعوب، بل عادة ما تكون وسيلة لتحقيق المطالب، وفي ظلّ الظروف التي يمر بها لبنان كان لا بدّ من التدقيق جيداً في نتائج أيّ حرب متوقعة إن حصلت، لذلك كان هناك وجهة نظر في البيئة الشيعيّة المقاومة تقول بأنّ لبنان دفع ثمن القضيّة الفلسطينيّة مراراً وتكراراً وهو لا يزال على استعداد كامل لدفع المزيد كون القضية لا تتعلق بالفلسطيني وحسب بل بكل عربي وشريف، لكن شرط ألاّ يكون وحده من يدفع هذه المرّة، ويُشير أحد أبناء وجهة النظر هذه، الى أنّ الحروب تحصل لانتزاع الحقوق وتثبيتها، وواجب تأمين الحقوق الفلسطينية واستعادتها تقع على عاتق العرب جميعهم لا على عاتق فئة منهم.

بحسب هذا المتابع، ورغم كل الدور الذي تقوم به إيران لدعم حركات المقاومة التي هي بصلب الصراع مع الاسرائيلي، إلاّ أن عليها واجب الانخراط في الحرب بشكل مباشر إن حدثت، مشيراً عبر "النشرة" الى أنّ هذا الرأي الذي قد يُفهم في احيان كثيرة بأنه "عداء" لفكرة المقاومة، موجود داخل البيئة فإمّا يدخل المحور الحرب بأكمله، أو تبقى الأمور محصورة بما هي عليه اليوم.

وجهة النظر هذه تقابلها وجهة نظر أخرى تقول بأن ّدور إيران ليس المشاركة بالحرب كون اسرائيل ليست على حدودها أولاً، وكونها لم تتعرض لأيّ اعتداء ثانياً، وبالتالي بحال دخلت الحرب في هذه الظروف، ستُقام ضدّها حرباً عالمية، بينما ما تقوم به من دعم وتسليح لقوى المقاومة في لبنان وسوريا وفلسطين، هو الدور الحالي المنوط بها، وهو سبب قوّة المحور والوصول الى مرحلة بات يحسب فيها العدو ألف حساب قبل مهاجمته لبنان على سبيل المثال.

يؤمن أبناء وجهة النظر هذه، بأنّ تحرير فلسطين يتطلب معركة كبرى ستشارك إيران فيها حتماً، لكن ما يجري اليوم هو أمر مختلف، ولا يجب نسيان حجم الدعم الايراني للمقاومة الفلسطينيّة، فلولا هذا الدعم لن تبقى القضية حيّة، وبحال كان الهدف الإيراني هو مصالحها أو خططها للسيطرة على الإقليم، فلا يشك أحد عندها بأنّ المصلحة تكمن بالتطبيع لا الصراع، فلو تخلت إيران عن دعمها للمقاومة، لنالت كل ما تشتهي في المنطقة.

في الضفّة الاخرى، رأي يرى إيران دولة تهتم بمصالحها وحسب، فهي تقطف ثمار الحروب التي تحصل في المنطقة، وأصحاب هذا الرأي يقولون بأن على إيران وحزب الله التدخل بالحرب بشكل واسع، لكن إن حصلت الحرب سيحملّون المسؤولية لهذا الفريق عن تداعياتها وتبدأ معزوفة "التسبب بتدمير لبنان"، وبالتالي هذا رأي يعبر عن نفاق لا أكثر ولا أقل.