إلى الواجهة، عادت هذا الأسبوع ما سُمّيت بـ"اللجنة الخماسية حول ​لبنان​"، والتي تضمّ ممثلين عن كلّ من الولايات المتحدة و​فرنسا​ والمملكة العربية ​السعودية​ ودولة ​قطر​ و​مصر​، في ضوء الاجتماع المشترك الذي عقده سفراؤها لدى لبنان، وأوحى بـ"تفعيل" حراكها الرئاسيّ إن جاز التعبير، قبيل اجتماعٍ مرتقب لممثليها في غضون الأسبوعين المقبلين، تمهيدًا لعودة الموفد الرئاسي الفرنسي ​جان إيف لودريان​ إلى بيروت بعد ذلك.

لكنّ العودة التي طال انتظارها لم تأتِ بلا ضجّة، تسبّب بها "الارتباك" الذي تجلّى في إلغاء سفراء "الخماسية" مواعيد كانوا قد حدّدوها مع بعض المسؤولين اللبنانيين، وفي مقدّمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، بتبريراتٍ لم تبدُ مقنعة لكثيرين، من نوع "تضارب المواعيد" التي كان يفترض أن تُنسَّق مسبقًا، ما فتح الباب أمام الكثير من التكهّنات حول "خلافات وتباينات" بين أعضاء "الخماسية"، تتعلّق بالدور المفترض منهم أساسًا.

وعلى الرغم من أنّ الاجتماع المشترك لسفراء "الخماسية" في دارة السفير السعودي ​وليد البخاري​ في اليرزة أعاد "دوزنة" الأمور إلى حدّ بعيد، تمهيدًا لـ"تفعيل" الحراك في الأيام القليلة المقبلة، فإنّه لم يحجب سلسلة من علامات الاستفهام التي طُرِحت حول طبيعة المهمّة الملقاة على عاتق "اللجنة الخماسية" في المرحلة المقبلة، وما إذا كانت ستسعى إلى فرض "إيقاعها" على المستوى الرئاسي، بل ما إذا كانت قادرة على ذلك أصلاً.

في المبدأ، يقول العارفون إنّ "الارتباك" الذي تجلّى في أداء ممثلي اللجنة "الخماسية" في لبنان، وإن تمّت "معالجته" بشكل أو بآخر، يؤشر إلى وجود "تباينات في الرؤى" بين الدول الممثّلة في هذه اللجنة، علمًا أنّ بعض التسريبات أرجعت هذا "التردّد" إلى "امتعاض" السفيرة الأميركية المعيّنة حديثًا ليزا جونسون من ظهورها كـ"ملحقة"، لا "مقرّرة"، فيما وضع آخرون الأمر في سياق اعتبارها أنّ الأمور تحتاج إلى "تنسيق مسبق".

لكن، بمعزلٍ عن "تفصيل" موقف السفيرة الأميركية، وتقييم دلالاته ومعانيه، وبمعزلٍ أيضًا عن الحديث عن "تنافس" أميركي سعودي على "القيادة" في مكانٍ ما، يتحدّث العارفون عن "اختلافات" بين أعضاء "الخماسية" في النظرة إلى الاستحقاق الرئاسي، وبينهم من لا يعتبره "أولوية" أصلاً في ظلّ الظروف المحيطة، أو يدعو لـ"ربطه" بشكل أو بآخر بالمفاوضات القائمة حول التوتر الحدودي مع ​إسرائيل​ على "الجبهة الجنوبية" المرشحة للتمدّد أكثر.

ويشير العارفون إلى اختلافات حتى بين الدول التي "تجتهد" لإنهاء المأزق الرئاسيّ، ففرنسا على سبيل المثال، تبدو في مكانٍ ما كمن يبحث عن "تعويم الدور" لا أكثر ولا أقلّ، وهي التي تعتبر الساحة اللبنانية "الأمثل" للمحافظة على المكانة في الشرق الأوسط، فيما تبدو قطر، التي تنافسها جديًا على قيادة المسعى الرئاسيّ، وكأنّها تغرّد في اتجاه مختلف، وقد بدأت "تجسّ النبض" خلف الكواليس، حول بعض الأسماء التي ينطبق عليها وصف "الخيار الثالث".

في مطلق الأحوال، يقول العارفون إنّ حراك "الخماسية" لا يبدو ناضجًا حتى الآن، إذ إنّ الاجتماع الذي عقد في اليرزة قبل يومين لم يكن سوى الخطوة الأولى في المسار، أو ربما لقاء "كسر الجليد" بعد الارتباك الذي وقع، علمًا أنّ كلّ الأنظار تبقى مشدودة بانتظار اللقاء المرتقب لممثّلي "الخماسية" في الأسبوعين المقبلين، والذي قد يعقد في إحدى العواصم الأساسية، وربما تكون العاصمة السعودية بحسب بعض التسريبات الصحافية.

بهذا المعنى، فإنّ ما حقّقته اللجنة "الخماسية" لا يعدو كونه "تحريكًا" للملف الرئاسي بعد مرحلة من الجمود والانكفاء، بانتظار الاجتماع المرتقب، والذي قد يرسم "خريطة طريق" المرحلة المقبلة، التي قد تحمل "تفعيلاً" للمبادرات والوساطات المرتبطة بـ"الخماسية"، من دون أن يعني ذلك وفقًا للعارفين، وجود أيّ نيّة لدى ممثليها للحلول مكان اللبنانيين، وانتخاب رئيس نيابةً عنهم، أو حتى وضع أسماء محدّدة تتلاقى مع المواصفات التي تفترضها للرئيس العتيد.

صحيح أنّ العديد من "السيناريوهات" بدأت تتداول إعلاميًا حول ماهية الدور الذي ستلعبه "الخماسية" بعد اجتماعها، من بينها حديث عن زيارة "مغايرة" للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الذي سيأتي هذه المرّة ممثّلاً للجنة الخماسية برمّتها، وبمواصفات "مبرمة" للرئيس العتيد، ينبغي على اللبنانيين "إسقاط" الأسماء المناسبة عليها، فضلاً عن "تفعيل" الدور القطري المستمرّ أساسًا خلف الكواليس، وإن لم تنضج معطياته حتى اليوم.

لكنّ العارفين يشدّدون على أنّ "الإشكالية" في الرهان على مهمّة "الخماسية" تبقى كما كانت منذ اليوم الأول، أنّ دول "الخماسية" على اختلافها، لا يمكنها أن تنجز شيئًا إذا لم يبادر اللبنانيون لمساعدة أنفسهم بأنفسهم، بما يعني أنّ اللجنة التي ترفض الغوص في الأسماء باعتبار أنّ هذا الدور منوط بمجلس النواب اللبناني وفق الدستور، لن تكون قادرة على إحداث أيّ "خرق" إذا لم يقترن ذلك بإرادة لبنانيّة خالصة للحلّ، وهو ما لا يبدو متوافرًا بعد.

ويضيف البعض إلى هذه الإشكالية، "إشكاليّة أخرى"، تتمثّل بأنّ اللجنة "الخماسية" تبقى "ناقصة" برأي كثيرين، طالما أنّ ​إيران​ غائبة، أو ربما مغيّبة عنها، ولو أنّ العارفين يؤكدون وجود اتصالات معها من جانب القطريين على سبيل المثال، علمًا أنّ الغياب الإيراني عن اللجنة قد يكون مؤثرًا، بالنظر إلى أنّ الفريق المحسوب عليها، وتحديدًا "​حزب الله​"، يلعب دورًا مقرّرًا في الاستحقاق الرئاسي، ولا يمكن القفز فوقه بأيّ شكل من الأشكال.

أكثر من ذلك، هناك من يقول إنّ الحاجة لوجود إيران في اللجنة بات اليوم وبعد معركة "طوفان الأقصى" أكثر أهمية من السابق، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ "حزب الله" وحلفاءه يتعاملون مع الاستحقاق الرئاسي على أنّه "مؤجّل ما بعد حرب غزة"، وهو ما تؤكده بعض المواقف المعلنة لقادته، ولا سيّما أنّ داخل هذا الفريق من يعتقد أنّ نتائج هذه الحرب من شأنها رفع "أسهم" المرشح المدعوم منه، أي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية.

قد يكون الحديث عن "ارتباك وتردّد" في صفوف "الخماسية" مجرد استنتاج متسرّع، كما قد يكون مستندًا إلى أساس صلب. وقد يكون الرهان على اجتماع "الخماسية" المرتقب في مكانه الصحيح، أو "مُبالَغًا به" كما يميل كثيرون للاعتقاد. لكنّ الأكيد أنّ دور "الخماسية" مهما صغر أو كبر حجمه، يبقى "مسهّلاً" في أحسن الأحوال، فالكرة تبقى أولاً وأخيرًا في ملعب اللبنانيين، الذين قد يكون تفاهمهم "شرطًا" للعبور إلى الرئاسة، شاء من شاء وأبى من أبى!.